فصل: الفرقة الثانية أولاد رسول

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **


  الضرب الثاني ما صار إليه الأمر بعد وصول أطلمش إليه

وهذه نسخة جواب والعنوان سطر بقلم الثلث بماء الذهب ما صورته‏:‏ المقام الشريف العالي الكبيري العالمي العادلي المؤيدي المظفري الملجئي الملاذي الوالدي القطبي نصرة الدين ملجأ القاصدين ملاذ العائذيـن قطـب الإسلـام والمسلميـن تيموركوركان - زيدت عظمته -‏.‏

والطرد ثلاثة أوصال والبسملة الشريفة فـي أول الوصـل الرابـع‏.‏

ثـم الحمـد للـه وتتمـة الخطبـة بالذهب وبيت العلامة عرض أربعة أصابع مضمومةً وما يليها من الأسطر سعة ثلاث أصابع والعلامـة الشريفـة بيـن السطـر العاشـر والحـادي عشر من سطور الكتابة موافقاً لانتهاء الخطبة عند أمـا بعـد فقـد صـدرت هـذه المفاوضة‏.‏

والعلامة الشريفة بجليل الثلث بماء الذهب ‏"‏ المشتاق فرج بـن برقوق ‏"‏‏.‏

وهامش الكتاب أربعة أصابع مطبوقةً والخطبة وما يليها من البعدية وألقاب المقام القطبي المركبة والمفردة الجميع بالذهب‏.‏

ومضمونه بعد البسملة‏:‏ الحمد لله الذي شيد قواعد الإصلاح ومهد مواطن الرشد والنجاح وجعل أذان المؤمن يجيب داعي الفلاح‏.‏

نحمده على أن ألف بين القلوب بلطيف الارتياح ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله زم نفوس المؤمنين بحبل التقوى من حمية الجماح ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي وضـح مـن نور رسالته فجر الإيمان ولاح ونفح من نور معجزاته زهر الدين الحنيفي وفاح صلى الله عليه وسلم وعلى آله الذين شدوا ظهور كلمهم من الصدق بأتقن وشاح وعلى صحابته الذين بينوا من عهودهم بفقههم في الدين الواجب والمندوب والمحظور والمباح وسلم تسليمـاً كثيراً‏.‏

أمـا بعـد فقـد صـدرت هـذه المفاوضـة إلـى المقـام الشريـف العالـي الكبيري العالمي العادلي المؤيدي المظفري الملجئي الملاذي الوالـدي القطبـي نصـرة الديـن ملجـأ القاصديـن ملـاذ العائذين قطب الإسلام والمسلمين‏:‏ ملكٌيفوق الخلق طرا هيبةً فبـه نهايـة غايـة التأميـل‏!‏ تيموركوركـان - زيـدت عظمتـه ودامـت معدلتـه ولا زالـت رايـات نصـره خافقـة البنـود وآيـات فضله متلوة في التهائم والنجود وسحب فضائله هاميـةً بالكـرم والجـود ومهابـة سطوتـه تمـلأ الوجود - تهدي إليه من السلام ما حلا في حالتي الصدور والورود ومن الإخلاص ما صفا وضفت منه البرود‏.‏

وتبدي لعلمه الشريف أن مفاوضته الشريفة وردت عليها جواباً عما كتبناه إلى حضرته الشريفة على يد المجلس العالي الأميري الشهابي أحمد بن غلبك وسيـف الديـن قانـي بيـه الناصـري المجهزين صحبة المجلس العالي الأميري الجلالي أطلمش لزم المقام الشريف بوصول الأمير جلال الديـن أطلمـش إلى حضرته الشريفة طيباً مبدياً بين يديه ما حملناه من رسائل الأشواق مبيناً ما هـو اللائـق بخلالـه الحسنـة عـن حضرتنا ما دبج به الأوراق شاكراً لإنعاماتنا التي هي في الحقيقة مـن شيم فضلكم الخفاق مثبتاً منه ومن فحوى الخطاب في نظم الكتاب صدق المقال وصحة العهد ورسوخ الميثاق وأنه قد ثبت بما بث من غرائب المعاني حصول الأماني وسرى بعد ما يكون من هدايا التهاني وأن الذي اتفـق الـآن هـو المطلـوب والمكتـوب بـه إلـى والدنـا الشهيـد الطاهر أولاً هو المرغوب وخلافه كان موجباً لنقل الحركات الشريفة إلى جهة البلاد وما اتفق فيه للعباد ولكن كل بقضاء وقدر‏.‏

ولما حصل قبول الإشارة بتجهيز الرسل والأمير أطلمش صـارت القلـوب متفقـة والعيـون قـارة وصفـت مـوارد الصفـاء وضفـت برود الوفاء وقطعت حبال المنافاة والجفاء‏.‏

وأن المقام الشريف كان أقسم في كتبه قسماً وأعاده ثم فصل مجمله وأفاده وهو - والله الطالب الغالب المدرك المهلك الحي الذي لا ينام ولا يموت - من يومه هذا لا يخاف ما صدر من عقد الصلح المسطور ولا يرجع عن حكمه للعهد المزبـور ويحـب مـن يحبنا ويبغض من يبغضنا ويكون سلماً لمسالمينا حرباً لمحاربينا ومتى استنصرنا به على أحد من مخالفينا أمدنا بما شئنا من العساكر وأنه أمر ما ناله أحد من الناس غيرنا وإنه لـو كـان القسم على الوجه الذي ذكره مصرحاً مذكوراً في لفظ الكتاب وعبارة الخطاب لكان أوضح والتبيين أملح وأنه حيث كان بأطراف ممالكه المجاورة لممالكنا أحدٌ من المفسدين يجهزه إلينـا مقيداً‏.‏

وحيث كان أحدٌ من المفسدين بممالكنا المجاورة لممالكه يعرفنا به لنجهزه إليه‏:‏ لاتفاق الكلمتين واتحاد المملكتين وطمأنينة لقلوب الرعايا والسالكين من الجهتين وما تفضل بـه‏:‏ مـن سؤال المقام الشريف الله عز وجل زيادة أسباب دولتنا ونمو إيالتنا وأن الهلال إذا رأيت نمـوه أيقنت أن سيصير بدراً كاملاً‏.‏

وأنا سنرى ما يصنعه المقام الشريف من الفضل المنيف ومن تلافي الأمور ما يظهر للخاصة والجمهور مما يزيد بدرنا نمواً وقدرنا بين الملوك سمواً‏:‏ لأنه لنا أكفى كفيل وأشفق من الولد والصاحب والخليل وإن من علامة الصفا إظهار ما خفـى وهـو أن في أطراف ممالكنا الآن بلاداً كانت داخلةً في ممالكه وهي أبلستين وملطية وكركر وكختا وقلعـة الـروم والبيـرة وأنـه كان حمل معناها على لسان المجلس السامي النظامي مسعود الكججاني أولاً المجهز الآن صحبة الأمير شهاب الدين بن غلبك وسيف الدين قاني بيه وأن القصد أن نأمر من بها من النواب أن تسلمها لنوابه والمعول في انتظام الأمور على ما تحمله المشار إليه وعول عليه وأنه شاكرٌ لمرافقنا موافقٌ لموافقنا وأنه يصغى إلى ما نبديه ونتحف به ونهديه على الصورة التي أبداها والتحية التي بكريم الشيم أهداها فقد علمنا ذلـك جملـةً وتفصيلاً وشكرنا حسن صنيعه إقامةً ورحيلاً وتضاعف سرورنا بوصول الأمير أطلمش إلى الحضرة الشريفة‏.‏

ووصل إلينا الأمير شهاب الدين بن غلبك وسيف الدين قاني بيه مرتلين من ذكـر محاسنكـم ترتيـلاً وعرضـا مـا تفضلتـم بـه فـي حقنـا إكرامـاً وتوقيراً وتبجيلاً وأنهيا بين أيدينا ما عومـلا بـه مـن الفضل الذي ما عليه مزيد والبر الذي تعجز الفصحاء أن تبديء بعض محاسنه أو تعيد وأنهما كانا كل يوم من توفر الفضل في يوم عيد وحصل لهما من الإقبال ما لا يحصى بالحصر والتحديد فحمدنـا للمقـام الشريـف الوالـدي حسـن هـذا الفضـل العـام وشكرنـا جميـل تفضله الذي أخجل الغمام وتزايد شوقنا وحبنا حيث زمزمت ألفاظ المفاوضة الشريفة إلـى ذلك المقام‏.‏

ليـس علـى اللـه بمستنكـر أن يجمع العالم في واحد‏!‏ وهذا هو اللائق بالخلال الشريفة والمؤمل في جلال صفاته المنيفة ووصل الخواجا نظام الديـن صحبتهما مبدياً عن جنابكم من رسائل المحبة والصفاء والمودة والوفاء ما يعجز عن وصفه الناظـم والناثـر مظهراً من حسن المودة وعزيز المعرفة ما يفخر به الموالي والمؤاثر سالكاً من تأكيد أسباب الصلح ما تتجمل به مفارق المفاخر معتذراً عما تقدم فما قدر ربمـا يكـون سببـاً لإصلـاح الآخـر متكفـلاً عـن صفـاء طويتكـم لنـا بمـا يسـر السرائـر فضاعفنا إكرامه ورادفنا إنعامه ووفرنا مـن العـز أقسامـه وأنزلنـاه منـزلاً يليـق بـه ووصلنـا كـل خيـرٍ بسببـه ومـا هـو إلا مستحقٌ لكل ما يراد به من فيض فضل وفضل‏.‏

وأما ما أشار إليه من إعادة القسم تأكيـداً للصلـح وتوضيحـاً للنجـح ولـو كـان القسـم الـذي أقسمنا به مصرحاً لكان أولى فقد علمنا ذلك وكتبنا ألفاظ القسم في كتاب الصلح مصرحةً وأعدناه إلى حضرته ليقرأ على مسامعه الشريفة ويشمله الخط الشريف ويعاد إلينا ونحن نكرر القسم بباريء النسـم الـذي لا إلـه إلا هـو الطالـب الغالـب المـدرك المهلـك الحـي الـذي لا ينـام ولا يموت أنا من يومنـا هـذا لا نخالـف مـا انتظـم مـن عقـد الصلـح المسطـور إلـى يـوم البعـث والنشور ولا تحل عراه الوثيقة المشار إليها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ونكون حرباً لمن حاربه وسلماً لمن سالمه ومبغضين لمبغضيه ومحبين لمحبيه ومـن أشـار بإشـاره أو شـن علـى أحد من رعاياه غاره رادفنا إسعافه وضاعفنا استظهاره وأخلصنا القول والعمل في مصافاة وأما ما أشار إليه من أمر القرى التي قصد تسليمها لنوابه وأنها داخلةٌ في حدود مملكته‏:‏ كأبلستين وملطية وكركر وكختا وقلعة الروم والبيرة فقد علمنا ذلك‏.‏

ونحن نبدي إلى علومه الشريفة أن هذه البلاد لا يحصل لنا منها خراج ولا ينال ملكنا ونوابنا منهـا فـي كـل وقـتٍ إلا الانزعاج وإذا جهزنا إليها أحداً من النواب نتكفل له غالباً بالخيل والرجل والركاب وبضواحيها من سراق التركمان وقطاع الطريق من العربان ما لا يخفـى عـن مقامـه‏.‏

ولـو كانـت دمشـق أو حلب أو أكبر من ذلك مماله عن الطلب ما توقفنا فيها عن قبول إشارته لتأكيد المحبة واتحاد الكلمتيـن مـن الجانبيـن فـي أعلـى رتبـة غيـر أن لتسليمهـا مـن الوهن لمملكتنا منافاةً لما تفضل به المقام الشريـف مـن سـؤال اللـه تعالـى في زيادة سلطتنا‏.‏

خصوصاً وقد وعد المقام الشريف الوالدي بما سنرى وسوف تظهر نتيجته مما يتفضل به بين الورى وأن الذي سمح لنا به من الاستظهار ما ناله أحدٌ من الناس وما حصل لنا بما أبداه الخواجا مسعود بين أمراء دولتنا من المشافهة عن مقامه الشريف من قوة الجأش والإيناس ونحن نترقب بيمن حركاته وسديد إشارته في زيادة النفس والملك والمال ونتوقع من جميل كفالته السعادة الأبدية في الحال والمآل فيكون ذلك في شريف علمه‏.‏

وقد جهزنا بهذه المفاوضة المجلس العالي الأميري الكبيري الأعزي الأخصي المقربي المؤتمني الأوحدي النصيري مجد الإسلام والمسلمين شرف الأمراء الخواص في العالمين منتخب الملـوك والسلاطيـن منكلـي بغـا الناصـري أميـر حاجـب أدام اللـه تعالـى سعـده وأنجح قصده وعلى يده من الهدية المصرية ما تهيأ تجهيزه بمقتضى القائمة الملصقة بذيلها وأعدنا المجلس العالي النظامي‏:‏ مسعوداً ومن معه إلى المقام الشريف متحملين من رسائل الأشواق والاتحاد ما لا يقع عليه الحصر والتعداد وما أخرنا الخواجا نظام الدين مسعوداً هذه المدة بالباب الشريف إلا لأمر عرض من قضية السلطان أحمد بن أويس وهربه مـن بغـداد إلـى حلـب وجهزنـا مـن البـاب الشريـف مـن يحضـره إلى دمشق ليحصل منه الأرب ثم بعد ذلك بأيام ورد الخبر من كافل الشام المحـروس بوصـول قـرا يوسـف بـن قـرا محمـد إلـى دمشـق فـي نفـر قليـل‏.‏

فجهزنـا أحـد الأمراء إلى كافل الشام بمثـالٍ شريـف يتضمـن القبـض علـى السلطـان أحمـد بـن أويـس وقـرا يوسـف المذكوريـن وإيداعهما الاعتقال بقلعة دمشق المحروسة وفاءً للعهـد وتأكيـداً‏.‏

وحملنـا الأميـر سيـف الديـن منكلـي بغا المذكور مشافهةً في معناهما‏.‏

والقصد من جميل محبته وجزيل أبوته قبول المجهز من ذلك وبسط العذر فيه إذا وصل إلى حضرته هنالك‏:‏ لأن الديار المصرية وأعمالها حل بها من المحل لعدم طلوع النيل في هذه السنة ما لا يحصر ولا يحصى ولا سمع بمثله‏.‏

وشمول نسخة الصلح المعادة بالخط الشريف ومضاعفة إكرام حاملها الأمير منكلي بغا بالبر الوريف والإصغاء إلـى مـا تحملـه مـن المشافهـة فـي معنـى أحمـد بـن أويـس وقـرا يوسـف واللـه تعالـى يشيـد بتمهيـده قواعد الدين الحنيف يمنه وكرمه إن شاء الله تعالى‏.‏

الثالث من ملوك توران من بني جنكزخان القان الكبير صاحب التخت وهو صاحب الصين والخطا قال في التعريف‏:‏ وهو أكبر الثلاثة ووارث تخت جنكزخان‏.‏

قال‏:‏ ولم يكن يكاتب لترفعـه وإبائه وطيرانه بسمعة آبائه ثم تواترت الآن الأخبار بأنه قد أسلم ودان دين الإسلام ورقم كلمة التوحيد على ذوائب الأعلام‏.‏

قال‏:‏ وإن صح ذلك - وهو المؤمل - فقد ملأت الأمة المحمدية الخانقين وعمت المشرق والمغرب وامتدت بين ضفتي المحيـط‏.‏

ثـم قـال‏:‏ فـإن صـح إسلامـه وقدرت المكاتبة إليه تكون المكاتبة إليه كالمكاتبة إلى صاحب إيران ومن في معناه من سائر القانات المقدم ذكرهم أو أجل من ذلك‏.‏

قلت‏:‏ ولم يتعرض إلى المكاتبة إليه على تقدير بقائه على الكفر ويشبه أن تكون المكاتبة إليه على ذلك وشدة سطوته فيعطى من قطع الورق بقدر رتبته‏.‏

ثم يجوز أن تبتدأ المكاتبة إليه كصاحب القسطنطينية ومن في معناه مع مراعاة معتقده في ديانته بالنسبة إلى كما يرعى مثل ذلك في المكاتبـة إلـى ملـوك النصرانيـة والوقـوف فـي الخطـاب ومـا ينخـرط فـي سلكـه عنـد الحـد اللائـق به‏.‏

والأمر في ذلك موكول إلى اجتهاد الكاتب ونظره‏.‏

المهيع الثالث في المكاتبات إلى من بجزيرة العرب مما هو خارجٌ عن مضافات الديار المصرية مكاتبات إلى من بجزيرة العرب وفيه جملتان الجملة الأولى في المكاتبات إلى ملوك اليمن وهم فرقتان الفرقة الأولى أئمة الزيدية قـال المقـر الشهابـي بـن فضـل اللـه فـي التعريـف‏:‏ وهـو مـن بقايـا الحسنيين القائيمن بآمل الشط من بلاد طبرستان وقد كان سلفهـم جـاذب الدولـة العباسيـة حتـى كـاد يطيـح رداءهـا ويشمـت بهـا أعداءها‏.‏

وهذه البقية الآن بصنعاء وبلاد حضرموت وما والاها من بلاد اليمن‏.‏

قال‏:‏ والإمامة الـآن فيهـم فـي بنـي المطهـر وتقـدم فـي المقالـة الثانيـة فـي الكلام على المسالك والممالك أن أول من قام من هذه الأئمة باليمن الإمام يحيى الهادي بن الحسين الزاهد بن أبي محمد القاسم الرسي بن إبراهيـم طباطبا بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم الغمر بن الحسين المثنى بن الحسن السبط ابن أمير المؤمنين علـي بـن أبـي طالـب رضـي اللـه عنـه فـي سنـة ثمـان وثمانيـن ومائتيـن فـي خلافـة المعتضـد وأنـه كـان فقيهـاً عالماً مجتهداً في الأحكام حتى قال فيه ابن حزم‏:‏ إنه لم يبعد عن الجماعة في الفقـه كـل البعـد‏.‏

ثـم ولـي بعـده ابنـه محمـد المرتضـى وتمت له البيعة فاضطرب الناس عليه واضطر إلى تجريد السيف فجرده ومات سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة لثنتين وعشرين سنة من ولايته و ولي بعده أخوه أحمد الناصر ثم أخوه القاسم المختار ثم الحسين المنتجب‏.‏

واطرد أمرهم بصنعـاء إلـى أن غلـب عليهـم السليمانيـون أمراء مكة عند خروجهم منها فاستقرت بأيديهم إلى أن ملك اليمن من جهة الساحل أحمد الموطيء بن الحسين المنتجب المقدم ذكره وذلك في أيام سيف الإسلام ابن أيوب سنة خمس وأربعين وستمائة‏.‏

وبقي أمر الزبدية هناك في عقبه‏.‏

وقـد ذكـر المقـر الشهابي بن فضل الله أن الإمامة في زمانه في الدولة الناصرية ابن قلاوون كانت فـي حمـزة وذكـر فـي مسالـك الأبصـار أن يحيـى بـن حمـزة ولـي بعـد أبيـه وكـان فـي زمـن المؤيد داود بن يوسف صاحب اليمن‏.‏

وذكر قاضي القضاة ابن خلدون أن الإمام قبل الثمانين والسبعمائة كان علي بن محمد من أعقابهم وتوفي قبل الثمانين‏.‏

وولي ابنه صلاح وتابعه الزيدية وكان بعضهم ينكـر إمامتـه لعـدم استكمـال الشـروط فيـه فيقول‏:‏ ‏"‏ أنا لكم ما شئتم إمام أو سلطان ‏"‏‏.‏

ثم مات سنـة ثلـاث وتسعيـن وسبعمائـة وقـام بعـده ابنـه نجـاح فامتنـع الزيديـة مـن بيعتـه فقال‏:‏ أن ‏"‏ محتسب لله تعالـى ‏"‏‏.‏

قـال فـي التعريـف‏:‏ وأمـراء مكـة تسر طاعته ولا تفارق جماعته‏.‏

قال‏:‏ ويكون بين هذا الإمام وبين الملك الرسولي باليمن مهادنات ومفاسخات تارة وتارةً‏.‏

قال‏:‏ وهذا الإمام وكل من كـان قبلـه علـى طريقـة مـا غيروهـا‏.‏

وهـي إمـارة أعرابيـة لا كبـر فـي صدورها ولا شمم في عرانينها وهم على مسكة من التقوى وترد بشعار الزهد يجلس في ندى قومه كواحدٍ منهم ويتحدث فيهم ويحكم بينهم سواءٌ عند المشروف والشريف والقوي والضعيـف وربمـا اشتـرى سلعتـه بيده ومشى في أسواق بلده لا يغلظ الحجاب ولا يكل الأمور إلى الوزراء والحجاب يأخذ من بيت المال قدر بلغته من غير توسع ولا تكثرٍ غير مشبع هكذا هو وكل من سلف قبله مع عدل شامل وفضل كامل‏.‏

قال‏:‏ في مسالك الأبصار‏:‏ ولشيعة هذا الإمام فيه حسن الاعتقاد حتـى إنهـم يستشفـون بدعائـه ويمـرون يـده علـى مرضاهـم ويستسقون به المطر إذا أجدبوا ويبالغون في ذلك كل المبالغة‏.‏

ثم قال‏:‏ ولا يكبر لإمام هذه سيرته - في التواضع لله وحسن المعاملـة لخلقـه وهـو مـن ذلـك الأصل الطاهر والعنصر الطيب - أن يجاب دعاؤه ويتقبل منه‏.‏

قال‏:‏ وزي هذا الإمام وأتباعه زي العرب في لباسهم والعمامة والحنك وينادى عندهم بالأذان حي على خير العمل‏.‏

ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التعريف‏:‏ أدام الله تعالى أو ضاعف الله تعالى نعمة أو جلـال الجانـب الكريـم العالي السيدي الإمامي الشريفي النسيبي الحسيبي العلامي سليل الأطهـار جلـال الإسلـام شـرف الأنـام بقية البيت النبوي فخر النسب العلوي مؤيد أمور الديـن خليفـة الأئمـة رأس العليـاء صالـح الأوليـاء علم الهداة زعيم المؤمنين ذخر المسلمين منجد الملوك والسلاطين‏.‏

ولا زال زمانه مربعاً وغيله مسبعاً وقراه مشبعاً وكرمه لفيض نـداه منبعـاً وهـداه حيـث أم بالصفوف متبعاً وملكه المجتمع باليمن لو أدركه سيف بن ذي يزن لم يكن إلا لديه منتضى وتبع لم يكن له إلا تبعاً‏.‏

ولا فتئت معاقد شرفه بالجوزاء وعقائد حبه تعد لحسن الجزاء ومعاهد وطنه آهلةً بكثرة الأعزاء ومياسم أهل ولائه تعز إليه بالاعتزاء ومباسم ثغور أودائه ضاحكة السيوف في وجوه الأرزاء هذه النجوى إلى روضه الممرع وإلا فما تزم الركائـب وإلى حوضه المترع وإلا فما الحاجة إلى السحائب وإلى حماه المخصب وإلا ففيم يسري الرائد وإلى مرماه المطنب فوق السماء وإلا إلى أين يريد الصاعد تسري ولها من هادي وجهه دليل وفي نادي كرمه مقيل وإلى بادي حرمه وما فيه للعاكف وإلى عالي ضرمه ما لا ينكره العـارف وفـي آثـار قدمـه ما يحكم به كل عائف وفي بدار خدمه ما يذر عداه كرمادٍ اشتدت بـه الريـح فـي يـومٍ عاصـف‏.‏

مبديـة وأول مـا تبـدأ بسلـام يقدمه على قول كيت وكيت وثناءٍ ولا مثل قوله‏:‏ ‏"‏ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ‏"‏‏.‏

صدر آخر - ولا عطل محراب هو إمامه ولا بطل عمل هو تمامـه ولا جـف ثـرى نبـات هـو غمامـه ولا خـف وقـار امـرئ بيـده املصرفـة زمامـه ولا ارتـد مضـرب سيف رؤوس أعاديه كمامـه ولا ارتـأى فـي حصـول الخيـرة لـه من كان إلى كنفه انضمامه‏.‏

وأطال الله باع عليائه وأطاب بأنبائه سماع أوليائه وأدام إجماع السرور عليه ومصافاته لأصفيائه وتراميه إليه‏.‏

صـدرت بهـا الركائب إليه مخفة وسرت بها النجائب لتقف عليه والقلوب بها محفة وأهوت لديه يشمخ بها لوصولها إليه الكبر وطوت إليه البيد طي الشقة تقيسها المطايا بالأذرع والثريا بالشيـر تأتـي بالعجب إذ تجلب إليه المسك الأفر وتجلو له الصباح وما لاح والليل وما أسفر وتحل في مقر إمامته وتحلي العاطل بمـا نثـره مـن الطـل صـوب غمامتـه موصلـة لعلمـه مـا لا يقطـع ومضوعـة عنده من عنبر الشحر ما يستبضع ومعلمة له كيت وكيت‏.‏

قلـت‏:‏ هـذا مـا أصلـه فـي ‏"‏ التعريف ‏"‏ وحاصلة أنه يأتي بالصدر المقدم ذكره إلى قوله‏:‏ ‏"‏ منجد الملوك والسلاطين ‏"‏ ثـم يأتـي بالدعـاء المناسـب ثـم يقـول‏:‏ ‏"‏ هـذه النجـوى ‏"‏ إلـى آخـره ‏"‏ مبديـة لعلمـه ‏"‏ أو ‏"‏ معلمة ‏"‏ أو ‏"‏ صدرت بها الركائب ‏"‏ ونحو ذلك‏.‏

ثـم لـم يتعـرض في ‏"‏ التعريف ‏"‏ لقطع الورق الذي يكتب إليه فيه ولا للعلامة له ولا لعنوان كتابه ولا لتعريفـه ونبـه علـى ذلـك فـي ‏"‏ التثقيـف ‏"‏ وأنـه أهمـل ذلـك ثـم لـم ينبـه هو عليه‏.‏

وقد رأيت في دستور منسوب للمقر العلائي بن فضل الله بيان ما أهملاه من ذلك فقال‏:‏ والخطاب له بمولانا الإمام والطلب منه ‏"‏ والمسؤول ‏"‏ وختم الكتاب بالإنهاء والعنوان بالألقاب والدعاء المقدم ذكره والعلامة ‏"‏ الخادم ‏"‏‏.‏

وقـد ذكـر فـي ‏"‏ التعريـف ‏"‏ أنه وصل إلى الديار المصرية في الأيام الناصرية ‏"‏ محمد بن قلاوون ‏"‏ سقـى اللـه عهـده رسـول مـن هـذا الإمام ‏"‏ ابن مطهر إمام الزيدية ‏"‏ من صنعاء بكتاب منه يقتضي الاستدعاء‏.‏

أطال فيه الشكوى من صاحب اليمن وعدد قبائحه ونشر علـى عيـون النـاس فضائحه واستنصر بمدد يأتي تحت الأعلام المنصورة لإجلائه عن دياره وإجرائه مجرى الذين ظلموا في تعجيل دماره وقال‏:‏ إنه إذا حضرت الجيوش المؤيدة قام معها وقاد إليها الأشراف والعرب أجمعها ثم إذا استنفذ منه ما بيده أنعم عليه ببعضه وأعطي منه ما هو إلى جانب أرضـه‏.‏

ثـم قـال‏:‏ فكتبت إليه مؤذناً بالإجابة مؤدياً إليه ما يقتضي إعجابه وضمن الجواب أنه لا رغبة ‏"‏ لنا ‏"‏ في السلب وأن النصرة تكون لله خالصة وله كل البلاد لا قدر ما طلب‏.‏

وهذه نسخته‏:‏ ضاعـف اللـه تعالى جلال الجانب - بالألقاب والنعوت - وأعز جانبه عزاً تعقد فواضله بنواصي الخيل وصياصي المعاقل التي لم يطلع على مثلها سهيل وأقاصي الشرف الذي لطع منه في الطوق وتمسك سواه بالذيل وقدمه للمتقين إماماً وجعله للمستقين غماماً وشرفه على المرتقين فـي عـلا النسـب العلوي ونوره وصوره تماماً ومن على اليمن بيمنه وأعلم بصنعاء حسن صنيعه وبحضرموت ‏"‏ حضور ‏"‏ موت أعدائه وبعدن أنها مقدمة لجنات عدنه ولا زالت الآفاق تؤمل من فيضه صحاباً دانياً وتتهلل إذا شامت له برقاً يمانياً وتتنقل في رتب محامده ولا تبلغ من المجد ما كان بانياً‏.‏

هذه النجوى وكفى بها فيما يقدم بين يديها ويقوم ولا يقوم من كل غالي الثمن ما عليها تطوي المراحل وتجوب البر والبلد الماحل وتثب إليه البحار وتقذف منها العنبر إلى الساحل وترسي بـه سفنهـا وتحـط إليـه بـل تخـط لديـه مدنهـا وتؤذن علمه - سره الله - بما لم يحل إليه من نظر ولم يخل منه من سبب ألف به النوم أو نفر ورود وارد رسوله فقال‏:‏ يا بشراي ولم يقل هذا غلام ووصولـه بالسلامـة والسلـام ومـا تضمنـه مـا استصحـب منـه مـن صحيفـة كلهـا كـرم وأخبار صحيحة كلها مما لو قذف به الماء لاضطرم ذكر فيها أمر المتغلب العادي ‏"‏ والصاحب الذي يفعل فعل الأعادي ‏"‏ والجار الذي جار والظالم البادي وما مد الأيدي إليه من النهـاب ومـا اختطـف بـه القلـوب من الإرهاب وتحدث عن أخباره وعندنا علمه وأخبر عن أفعاله مما له أجر الصبر عليه وعليه ظلمه وقص رسوله القصص وزاد الشجى وضيق مجال الغصص وأطار من وكر هذا العدوان طائراً كأنما كان في صدره وحرك منه لأمر كان يتجرع له كأس صبره وقد أسمـع الداعـي وأسـرع الساعي وبلغ الأمانة حاملها وأوصل الكلمة قائلها ومرحباً مرحباً بداعـي القيـام مـن قبلـه وأهـلاً أهـلاً بمـا بلـغ علـى ألسنـه رسلـه وهلـم هلـم إلى قلع هذه الشجرة التي لم ينجب ظـن غارسهـا وقطـع هـذه الصخـرة التـي لـم تنصـب إلا مزلقـة لدائسهـا والتعاضـد التعاضد لما هتف به هاتفه الصارخ وسمعه حتى الرمح الأصم والسيف المتصاوخ فليأخذ لهـذا الأمـر الأهبـة وليشـد عليه فقد آنت الوثبة فقد سطرت وقد نهض إلى الخيل ملجمها وبادر وضع السهام في الكنائن مزحمهـا وكأنـه بـأول الأعنـة وآذان الجيـاد تفـوق بيـن شطـري وجههـا الأسنة وكأنه برسوله القائد وفي أعقابه الجيش المطل والألوية وكل بطل باسل يبتدر الوغى ولا يستذل ولا أرب لنا في استزادة بلاد وسع الله لنا نطاقها وكثر بنا مواد أموالها وقدر على أيدينا إنفاقها وإنما القصد كله والأرب جميعه كشـف تلـك الكـرب وتـدارك ر ‏"‏ ذلـك الذمـاء الـذي ‏"‏ أوشـك أو كـرب وإن قدر فتوح وتيسر ما طرف سوانا إليه طموح كان هو أحق بسبقه ‏:‏ لأنه جار الدار والأول الذي كان له البدار ويقل له لعظيم شرفه ما نسمح به وإن جل وما نهبه منه وإن عظم - شأن كل تبع وهو ببعضه ما استقل وكأنه والخيل قد وافته تجد في الإحضار وتسرع إليه وتكفيه مؤونة الانتظار إن شاء الله تعالى‏.‏

  الفرقة الثانية أولاد رسول

وهم المعروفون بملوك اليمن عند الإطلاق ومقر مملكتهم حصن تعز‏.‏

ورسول هذا الذي كان ينسـب إليـه ملوك هذا النسب من اليمن هو رسول أمير اخور الملك الكامل محمد بن العادل بن أبـي بكـر بـن أيـوب‏.‏

قـال فـي ‏"‏ التعريـف ‏"‏‏:‏ ولمـا بعـث الملـك الكامـل ولـده الملك المسعود أطسز وهو الـذي تسميـه العامـة أقسيـس بعـث معـه رسـولاً أميراخـور في جملة من بعثه معه‏.‏

قال‏:‏ ثم تنقلت الأحوال حتى استقل رسول بملك اليمن وصار الملك في عقبه إلى الآن‏.‏

والذي ذكره المؤيد صاحـب حمـاة وقاضـي القضـاء ولي الدين بن خلدون في تاريخهما وهو الصواب أن أول من ملك اليمن علي بن رسول ثم ابنه المنصور عمر ثم ابنه المظفر يوسف ثم ابنه الأشرف عمر ثم أخـوه المؤيـد هزبر الدين داود ثم ابنه المجاهد سيف الدين علي وهو الذي قال المقر الشهابي بن فضـل اللـه فـي ‏"‏ التعريـف ‏"‏ إنـه كـان فـي زمنـه ثم المنصور أيوب ثم المجاهد علي المقدم ذكره ثانياً ثم ابنـه الأفضـل سيـف الديـن عبـاس‏.‏

وهـو الـذي قـال فـي ‏"‏ التثقيـف ‏"‏ إنـه كـان فـي زمنـه فـي الدولـة الأشرفيـة ‏"‏ شعبـان بـن حسيـن ‏"‏ ثـم ابنـه المنصـور محمـد ثـم أخـوه الأشـرف إسماعيـل وهـو الـذي كان في الدولة الظاهرية برقوق‏.‏

ثم ابنه ‏"‏ الملك الناصر أحمد ‏"‏ وهو القائم بها الآن‏.‏

واعلم أن المكاتبات بين صاحب مصر وصاحب اليمن من حين استقرت مملكة اليمن مع بني أيـوب ملـوك مصـر وصـارت المملكتـان كالمملكـة الواحـدة ثـم تواصلـت المكاتبـات بيـن ملوكهمـا وتأكدت المودة إلى زماننا هذا خلا ما وقع ي خلال ذلك من حصـول تبايـن وقـع بيـن أهـل المملكتين في بعض الأزمان وهو على ضربين‏:‏ الضرب الأول ‏"‏ ما كان الأمر عليه في الدولة الأيوبية وهو أن تفتتح المكاتبة بلفظ ‏"‏ أصدرناها ‏"‏ ‏"‏ وهـذه نسخة كتاب عن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب مصر والشام إلى أخيه سيف الإسلام صاحب اليمن يستقدمه إليه معاوناً له على قتال الفرنج ويخبره بما وقع له من الفتوحات في سنة أربع وثمانين وخمسمائة وهي‏:‏ أصدرنا هذه المكاتبة إلى المجلس ومما تجدد بحضرتنا فتوح ‏"‏ كوكب ‏"‏ وهي كرسي الاستبارية ودار كفرهم ومستقر صاحب أمرهم وموضع سلاحهم وذخرهم وكان بمجمع الطـرق قاعـداً ولملتقى السبل راصداً فتعلقت بفتحه بلاد الفتح واستوطنت وسلكـت الطـرق فيهـا وأمنـت وعمـرت بلادهـا وسكنـت ولـم يبـق فـي هـذا الجانـب إلا ‏"‏ صـور ‏"‏ ولـولا أن البحـر ينجدها والمراكب تردهـا لكـان قيادها قد أمكن وجماحها قد أذعن وما هم بحمد الله في حصن يحميهم بل في سجن يحويهم بل هم أسارى إن كانوا طلقاء وأموات وإن كانوا أحياء قال الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ فلا تعجـل عليهـم إنما نعد لهم عداً ‏"‏ ولكل امرئ أجل لا بد أن يصدقه غائبه وأمل لا بد أن يكذبه وكان نزولنا على ‏"‏ كوكب ‏"‏ بعد أن فتحنا ‏"‏ صفد ‏"‏ بلد الديوية ومعقلهم ومشتغلهم وعملهم ومحلهـم الأحصـن ومنزلهـم وبعـد أن فتنـا ‏"‏ الكرك ‏"‏ وحصونه والمجلس السيفي - أسماه الله - أعلم بمـا كا على الإسلام من مؤونته المثقلة وقضيته المشكلة وعلته المعضلة وأن الفرنج - لعنهم الله - كانوا يقعدون منه مقاعـد للسمـع ويتبـوأون منـه مواضـع للنفـع ويحولـون بيـن قـات ‏"‏ ‏"‏ وراكبهـا فيذللون الأرض بما كان منه ثقلاً على مناكبها‏.‏

والآن ما أمن بلاد الهرمين بأشـد مـن بلـاد الحرميـن فكلهـا كـان مشتركـاً فـي نصرة المسلمين بهذه القلعة التي كانت ترامي ولا ترام وتسامي ولا تسام وطالما استفرغنا عليها بيوت الأموال وأنفقنا فيها أعمار الرجال وقرعنا الحديد بالحديد إلى أن ضجت النصال من النصال والله المشكور على ما انطوى من كلمة الكفر وانتشر من كلمة الإسلام‏.‏

وإن بلاد الشام لا تسمع فيها لغواً ولا تأثيماً إلا قيلاً سلاماً سلاماً ‏"‏ فادخلوها بسلـام ‏"‏ وكـان نزولنـا علـى ‏"‏ كوكـب ‏"‏ والشتـاء فـي كوكبه وقد طلع بيمن الأنواء في موكبه والثلوج تنشر على البلاد ملاءها الفضيض وتكسو الجبال عمائهما البيض والأودية قـد عجـت بمائهـا وفاضت عند امتلائها وشمخت أنوفها سيولاً فخرقت الأرض وبلغت الجبال طولاً والأوحال قـد اعتقلـت الطرقـات ومشـى المطلـق فيهـا مشية الأسير في الحلقات فتجشمنا العناء نحن ورجال العساكر وكاثرنا العدو والزمان وقد يحرز الحظ المكاثر وعلم الله النية فأنجدنا بفضلها وضمير الأمانة فأعان على حملها ونزلنا من رؤوس الجبال بمنازل كان الاستقرار عليها أصعب من نقلها والوقوف بساحتها أهون من نقلها ‏"‏ وأما بنعمة ربك فحدث ‏"‏‏.‏

والحمد لله الذي ألهمنا بنعمته الحديث ونصر بسيف الإسلام الذي هو سيفه وسيف الإسلام الـذي هـو أخونـا الطيـب علـى الخبيث فمدح السيف ينقسم على حديه ومدح الكريم يتعدى إلى يديـه والـآن فالمجلـس - أسمـاه اللـه - يعلـم أن الفرنـج لا يسلـون عمـا فتحنـا ولا يصبـرون علـى جرحنا فإنهم - خذلهم الله - أمم لا تحصى وجيوش لا تستقصى ووراءهم من ملوك البحر من يأخذ كل سفينة غصباً ويطمع في كل مدينـة كسبـاً ويـد اللـه فـوق أيديهـم واللـه محيـط بأقربيهم وأبعديهم و ‏"‏ سيجعل الله بعد عسر يسراً ‏"‏‏.‏

‏"‏ لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً ‏"‏‏.‏

وما هم إلا كلاب قد تعاوت وشياطين قد تغاوت‏.‏

وإن لـم يقذفـوا مـن كـل جانـب دحـوراً ويتبعوا بكل شهاب ثاقب مدحوراً استأسـدوا واستكلبـوا وتألبـوا وجلبـوا وأجلبـوا وحاربـوا وخربوا وكانوا لباطلهم الداحض أنصـر منـا لحقنـا الناهـض وفـي ضلالهـم الفاضـح أبصـر منـا لهدانا الواضح ولله در جرير حيث يقول‏:‏ إن الكريمـة ينصـر الكرم ابنها وابن اللئيمة للئام نصور‏!‏ فالبدار إلى النجدة البدار‏!‏ والمسارعة إلى الجنة فإنها لن تنال إلا بإيقاد نار الحرب على أهل النار والهمة الهمة‏!‏ فإن البحار لا تلقى إلا بالبحار والملوك الكبار لا يقف في وجوهها إلى الملوك الكبار‏:‏ وما هي إلا نهضة تورث العلا ليومك ما حنت روازم نيب‏!‏ ونحـن فـي هـذه السنـة - إن شـاء اللـه تعالـى - ننـزل علـى أنطاكيـة وينزل ولدنا الملك المظفر - أظفره الله - على طرابلس ويستقر الركاب العادلي - أعلاه الله - بمصر فإنها مذكورة عند العـدو - خذله الله - بأنها تطرق وإن الطلب على الشام ومصر تفرق ولا غنى عن أن يكون المجلس السيفـي - أسماه الله - بحراً في بلاد الساحل يزخر سلاحاً ويجرد سيفاً يكون على ما فتحناه قفـلاً ولمـا لـم يفتـح بعـد مفتاحـاً فإنـه ليـس لأحـد مـا للـأخ مـن سمعـة لهـا فـي كـل مسمع سمعه وفي كل روع روعـه وفـي كـل محضـر محضـر وفـي كـل مسجـد منبر وفي كل مشهد مخبر فما يدعى العظيم إلا للعظيـم ولا يرجـى لموقـف الصبـر الكريـم إلا الكريـم والأقـدار ماضيـة وبمشيئـة اللـه جارية فإن يشأ الله ينصر على العدو المضعف بالعدد الأضعف ويوصل إلى الجوهر الأعلى بالعرض الأدنى فإنا لا نرتاب بأن الله ما فتح علينا هذه الفتوح ليغلقها ولا جمع علينا هذه الأمة ليفرقها وأن العدو إن خرج من داره بطراً ودخل إلى دارنا كان فيها جزراً وما بقي إن شاء الله تعالى إلا أموال تساق إلى ناهبها ورقاب تقاد إلى ضاربها وأسلحة تحمل إلى كاسبها وإنما نؤثر أن لا تنطوي صحائف الحمد خالية من اسمه ومواقف الرشد خاوية من عزمه ونؤثر أن يساهم آل أيوب في ميراثهم منه مواقع الصبر ومطالع النصر فوالله إنا على أن نعطيه عطايا الآخرة الفاخرة أشد منا حرصاً على أن نعطيه عطايا الدنيا القاصرة وإنا لا يسرنا أن ينقضي عمره في قتال غير الكافر ونزال غير الكفء المناظر ولا شك أن سيفه لو اتصل بلسان ناطق وفهم لقال‏:‏ ما دمت هناك فلست ثم وما هو محمول على خطة يخافها ولا متكلـف قضيـة بحكمنـا يعافهـا والذي بيده لا نستكثره بل نستقصره عن حقه ونستصغره وما ناولناه لفتح أرضه السلاح ولا أعرنـاه لملـك مركزه النجاح إلى على سخاء من النفس به وبأمثاله على علم منا أنه لا يقعد عنا إذا قامت ‏"‏ الحرب ‏"‏ بنفسه وماله فلا نكن به زناً أحسن منه فعلاً ولا نرضى وقد جعلنا الله أهلاً أن لا نراه لنصرنا أهلاً وليستشر أهل الرشاد فإنهم ‏"‏ لا يألونه ‏"‏ حقاً واستنهاضاً وليعص أهل الغواية فإنهم إنما يتغالبون به لمصالحهم أغراضاً ومن بيته يظعن وإلى بيته يقفل وهو يجيبنا جـواب مثلـه لمثلنـا وينوي في هذه الزيارة جمع شمل الإسلام قبل نية جمع شملنا ولا تقعد به في الله نهضة قائم ولا تخذله عزمة عازم ولا يستفت فيها فوت طالب ولا تأخذه في اللـه لومـة لائم فإنمـا هـي سفـرة قاصـدة وزجـرة واحـدة فـإذا هـو قـد بيـض الصحيفـة والوجـه والذكـر والسمعة ودان الله أحسن دين ولا حرج عليه إن فاء إلى أرضـه بالرجعـة وليتدبـر مـا كتبنـاه وليتفهـم مـا أردنـاه وليقـدم الاستخـارة فإنهـا سـراج الاستنـارة وليغضـب للـه ولرسوله ولدينه ولأخيه فإنها مكان الاستغضاب والاستثارة‏.‏

وليحضر حتى يشاهد أولاد أخيه يستشعرون لفرقته غماً وقد عاشوا ما عاشوا لا يعرفون أنهم مع عمهم عماً والله سبحانه يلهمه توفيقاً ويسلك به إليه طريقاً وينجدنا به سيفاً لرقبة الكفر ممزقاً ولدمـه مريقـاً ويجعلـه فـي مضمـار الطاعات سابقاً لا مسبوقاً‏.‏

إن شاء الله تعالى‏.‏

  الضرب الثاني ‏"‏ مـن المكاتبـات إلـى صاحب اليمن

ما الأمر عليه من ابتداء الدولة التركية وهلم جرا إلى زماننا وهو علا ثلاثة أساليب ‏"‏ الأسلوب الأول ‏"‏ أن تفتتح المكاتبة بلفظ ‏"‏ أدام الله تعالى نعمة ‏"‏ أيام ‏"‏ المقام العالي ‏"‏ ‏"‏ وهذه نسخة كتاب كتب عن الملك الناصر محمد بن قلاوون جواب كتاب ورد من صاحب اليمـن فـي مقابلة البشرى بدخول العساكر المنصورة إلى بلاد الأرمن وطلب سلامش نائب التتار بالروم الدخول في الطاعة وذكر أن نائباً كان لأبيه في قلعة طمع وعصى عليه فظفر به فبشر بذلك ويحرضه على الجهاد وإنفاذ الأموال ويهدده ويوجه به قصـاده إليـه‏.‏

مـن إنشـاء الشيـخ شهاب الدين محمود الحلبي رحمه الله وهي‏:‏ أدام اللـه تعالى نعمة أيام المقام العالي‏!‏ وأنهضه بفرض الجهاد الذي بمثله ينتهج وأيقظه لمتعين الغز الذي ما له تدرك الرتب وترتفع الدرج وأشهده في سبيل الله مواقف النصب التي إذا أودعنا نشر بشرها الطروس عبقت بما فيها من الأرج وأراه مشاهد فتوحنا التي إذا حدثت الأحلام عـن عجائبهـا حدثـت عـن البحـر ولا حـرج وصـان مجـده عن إضاعة الوقت في غير حديث الجهاد الذي هو أولى ما بذلت له الذخائر وابتذلت فيه المهج‏.‏

صدرت هذه المكاتبة تخصه بتحيـة تتضـوع نشـرا وتتحفـه مـن متجـددات الظفـر بشـرا يمـلأ الوجـود مسـرة وبشـرى وتقـص عليه من متجددات فتح يأتي على ما أتعبت فيه الأفكار قرائحها من مشتهى التهاني فلا يدع له ذكرا وتتلو على من ظن بعد ما سمع من البلاغ بلاغ العدا أن إزالـة وال عـن مركزه فتح كبير‏:‏ لقد جئت شيئاً نكرا‏.‏

وتوضح لعلمه الكريم أن مكاتبته الكريمة وردت مقصورة على نبأ لا يعتد بذكره محصورة على خبر لا ينبغي لمثل مجـده أن يمـره علـى فكـره مطلقـة عنـان القلـم فيمـا كان ينبغي طي خبره وتعفي أثره وإخفاء سببه وتركه نسياً منسياً فضلاً عن التبجح بذكره والتهنئة به إذ في ذلك مقابلة البحر بالثماد والروح بالجماد والشمس بالذبال والهدى بالضلال فلم يكمل له في ذلك المراد وأتى بما قالت له التهاني‏:‏ ‏"‏ نحن في واد وأنـت في واد ‏"‏ وقابلناها مع ذلك بالقبول الذي اجتلى غررها وأحمدت لديه وردها وصدرها فأحطنا علماً بما تضمنته من الأحوال التي أبداها والمتجددات التي عظم موقع نشرها عنده فأهداها‏.‏

وأمـا مـا ذكـره مـن أمر القلعة التي كان ‏"‏ النائب بها ‏"‏ لوالده شخصاً اعتمد عليه وولاه مستحفظاً ظنـه مـع تغايـر الأحـوال مؤتمنـاً علـى مـا فـي يديـه وأن ذلـك الشخـص بعد انتقام والده رحمه الله طمع فيمـا استـودع فجحـد الوديعـة والموادعة ورام المنازعة والمقاطعة وخالف وحالف وقارب العصيان وقارف وأنه في هذا الوقت قلع ذلك النائـب مـن تلـك القلعـة المغتصبـة وأراح مـن همـه الناصـب وأفكـاره ووصبـه إلـى غيـر ذلـك ممـا أورده علـى وجـه البشـرى لهـذا السبب الضعيف وأبرزه في معرض التهنئة من هذا الأمر الطفيف وأراد أن يتكثر فيه بما لا مدخل له فـي كثـره وقلـه فذكـر بـروزه بجمعـه إلـى شخـص واحـد فـي قبالـة مـا اتصل به من نبأ كل موطن برز فيـه الإسلـام كلـه إلى الشرك كله وظاهر الأمر أن ذلك الشخص ما عصى بالمكان الذي كان فيه إلا لما رأى بالمملكة اليمنية من اضطراب الأحوال وأسباب الاختلاف والاختلال والوهن الـذي حسـن لـه الاحتـراز والاختـزال والخلوة التي حملته على أن ‏"‏ طلب الطعن وحده والنزال ‏"‏ وامتداد الأيدي العادية بكل جهة إلى ما يليها وضياع رعايا كل ناحية بالاشتغال على افتقاد أحوال من يباشرها وانتقاد تصرف من يليها فهـو الـذي أوجـب طمعـه وقـوى ضلعـه وحملـه مـن مركـب العناد وأراه نظراءه بتلك الجهة ممن سلك الفساد‏.‏

وهذا الأمر ما خفي علينا خبره ولا توارى عنـا ورده ولا صـدره فـإن أخبار مملكة اليمن ما زالت متواصلة إلينا بما هي عليه من اضطراب واف واختلاف غير خاف وهيج لا يرجع الأمر فيه إلى كاف كاف وما أخرنا لحق جيوشنا المنصورة وعساكرنا التي ممالك العدا بمهابتها محصورة عن الوصول إلى المملكة اليمنية لتقويـم أودها وتمكين شدها وإقامة أمرالملك فيها وحسـم مـادة الفسـاد عـن نواحيهـا وتطميـن البلـاد وإنامة الرعايا من الأمن في أوطئ مهاد والاحتراز على الخزائن والأموال وصونها من الإنفاق في غير جند الله الذين منعوا دعوة الشرك أن تقام وكلمة الكفر أن تقال إلا لأن عساكرنا كانت الآن فـي الممالـك والأقاليـم التـي بيـد الكفـر‏:‏ مـن التتـار المخذوليـن ومن يقول بقولهم من أعداء الدين تقتل وتأسر وتلقى الجيوش الكافرة فتكسب وتكسر وتصحبهم حيث حلوا طلائع رعبها وتصبحهم منها أين طلوا ريح عاد التي تدمر كل شيء بأمر ربها‏.‏

وما سطرنا هذه المكاتبة إلى وجيوشنا المنصورة قـد وطئـت عقـر بلادهـم فأذلتهـا وأذالتهـا وغيرت أحوالها وحالتها وقاسمتهم شر قسمة فلها منها الحصون والمصـون والجنـات والوارفـة الغصون ولهم منها الخراب والتباب والدارس الذي لا يحصل بكف دارس بيته إلا التراب وها هي قادمة إلينا يقدمها النصر ويتقدمها من أسر العدا وغنائمهم ما يربي عن الحصر وما بينها وبين ركوب هذا البحر لملك تمهده وعدل تجدده وبغاة تكف غربها وراة تؤمن بالمهابة سربها وتصفـي مـن أكـدار الفتن شربها وخزائن لها عن غير الإنفاق في سبيل الله تصونها إلا بمقدار ما تستقر بها المنازل استقرار السنة بالجفون لا النوم وأضرمت نواحيها واستاقت أهلها ومواشيها وجعلت قصورها صعيداً وزرعها حصيـداً وعقائلهـا إمـاء ومعاقلهـا هبـاء وابتذلت مصونها الذي جعله الله لها أثقالاً واختارت من حصونها لملكنا ما كانت سيوفنا له مفاتح فلما فتح عدن له أقفالاً واقتلعت من القلاع التي كانت بيـد الكفـر كـل معقـل أشـب وحصن شابت نواصي الليل وهو لم يشب قد صفح بالصفاح وشرف بأسنة الرماح واستدار بقنة قلة ينهب الترقي إليها هوج الرياح فطهرته من النجس وعوضته بصوت الأذان عن صوت الجرس وأخرست الناقوس بسورة الفتح الذي عوذته نوب الدهر بآيات الحرس مع ما أضيف إلى تلك القلاع من بلاد وتلاد وأغوار ونجاد وجنات وعيون وأموال ارتجع بها ما كان للإسلام فـي دذمـة الكفـر مـن بقايـا الديـون‏.‏

وكـل تلـك الغنائـم منحناهـا جيوشنـا المنصـورة وأبحناهـا وقويناهـم علـى أمثالهـا من الفتوح برفع العوائق التي أزلناها بالقناطير المقنطرة من الذهب والفضة وأزحناها وما وصل الآن قصاده إلى أبوابنا العالية إلا والبشائر تنطق بألسنة التهانـي وتخفـق بمجددات هذه الفتوح في الأقاصي من ممالكنا والأداني وقد شاهدوا ذلك وشهدوه ورأوا ما رأى غيرهم من نوادر الفتوح التي أربت على ما ألفوه من قبل وعهدوه‏.‏

هذا وما وضعت الحرب إلى الآن أوزارها ولا خمدت نار الوغى التي أعدت جيوشنا المنصورة للأعداء أوارها ومـا يمضـي وقـت إلا والبشائـر متـواردة علينـا بفتـح جديـد ونصـر له في كل يوم مخلق تخلق وفي كل بر بريد‏.‏

وقصارى أمر العدو الآن أنهم ليس لهم بلد إلا وقد ‏"‏ أخنى عليه الذي أخنى على لبد ‏"‏ ولا دار إلا وقد أضحت كدار مية التي ‏"‏ أقوت وطال عليها سالف الأمد ‏"‏ ولا جيش إلا وقـد فـر وأين يفر وهو يطوي في قبضتنا المراحل ولا طرائد بحر إلا وهي مطرودة في اللجج لتيقنهم أن العطب لا السلامية في الساحل‏.‏

فمن أجل ذلك رأينا أن اشتغال جيش الإسلام بجانب الكفر هو المهم المقدم على ما سـواه والغـرض الـذي نيتنـا فيه إنقاذ أهل الإسلام من كلمة الكفر وتحكمه ‏"‏ ولكل امرئ ما نواه ‏"‏ ورأينا أن أمر هذه الجهة ما يفوت بمشيئة الله وعونه وتمكينه وإذا كان الله قد أقام بقدرته منا ملكاً لنصرة دينه إن اليمن وغيره في يمينه وهي محسوبة من أعداء ممالكنا المحروسة ومعدودة من أقسـام بلادنـا التـي هـي بوفـود الفتـوح مأنوسـة ولا بـد مـن النظر في أمرها وإعمال الفكر في إزاحة ضرها وتجريد العساكر المنصورة إليها وإقدام الجيوش التي عادتها الإقدام في الوغـى عليهـا ليكـون العمـل فـي أمرهـا بمـا يرضي الله ورسوله ويبلغ من كان بتلك الجهات يروم الجهاد ولا يطيقه سوله فإن المملكة المذكورة توالت عليها المدد ومضى عليها الأبد وهمـة مـن فيهـا إلـى اللـه مصروفة وعلى اللذات موقوفة وأحكام الجهاد عندهم مرفوضة حتى كأن الجهاد لـم يبلغهـم وغره حلمه ولا أحاطت أفكارهم بشيء من علمه بل كأنه على غيرهم وجب وكأن ما أعد اللـه مـن الأجـر عليـه إنما أريد به الذين يكنزون الذهب وتمادت الأيام وليس في نكاية أعداء الله منهم نصيب وتفرقت الأموال وما لجند الله فيما احتووا عليه من ذلك سهم ولا نصيب وأي عـذر عنـد اللـه لمـن جعلـه مؤتمنـاً علـى مالـه فلم يكن له في سبيل الله إنفاق وأي حجة لمن ‏"‏ لم ‏"‏ يقـف موقـف جهـاد وقـد قـال رسـول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق ‏"‏‏.‏

والـآن فإن الله سبحانه وتعالى قد أقامنا لنصرة الإسلام ورفع كلمة الإيمان وتمهيد البلاد وإجراء الأحوال في القريب مننها والبعيد على ما يرضي الله تعالى ويرضي رسوله عليه السلام من السداد وأهم الأمور عندنا أمر الغزاة والمجاهدين الذين ما منهم إلا ممسك بعنان فرسه مكتحل بسهاد حرسه لا يأمن العدو مهاجمة خيله في سراه ولا مفاجأة خياله في كراه حصنه ظهر حصانه وجوابه على لسان سنانه كلما سمع هيعة أو وقعة طار على متن فرسه يلتمس الموت والقتل في مظانه وهؤلاء هم جيوشنا الذين دوخوا البلاد وأذلوا أهل العناد وطهروا السواحل وأجروا في كل مواطن من أنهار الدماء ما يروي البلد الماحل وهزموا جيوش التتار وهم في أعداد الكواكب وحصدوهم بسيوفهم عرورة ‏"‏ ‏"‏ وهم في نحو المائـة ألـف راكـب حتـى إن ملوك التتار الآن ليتمنون إرضاءنا وإغضاءنا ويستدعون ويدعون للآباد ولاءنا ويطلبون المسالمة منا ويودون نسمة قبول تصدر إليهم عنا والطويل العمر منهم وممن والاهم هو الذي يهرب من بيـن يـدي جيوشنا المنصورة ليسلم بنفسه وإن أسلم ما يعز عليه من ماله وولده وعرسه‏.‏

فمثل هـؤلاء الذيـن يستحقـون أمـوال الممالـك الإسلاميـة ليستعينوا بها في جهازهم لجهادهم وينفقوها في إعدادهم لأعدائهم ويصرفوها في ذبهم عن دين ربهم‏.‏

وهذه المملكة اليمنية قـد اجتمـع فيهـا مـن الأمـوال مـا يربـي عـن الحصـر والحـد ويزيـد علـى الإحصـاء والعـد لا ينفـق منها شيء في الجهاد ولا يعد منها مصروف إلا بما لا تحمد عاقبته في المعاد قد صد عنها جند الله الذين ينفقونها سراً وجهراً ويستنزلون بها أرواح أعداء الله على حكم سيوفهم قسراً وقهراً وأبيحت لمن تأبـى الجهـاد جانبـاً ورضـي باللهـو صاحبـاً واقتنـى السلاح لغير يوم الباس واعتنى بارتباط الجياد بطراً ورثاء الناس‏.‏

وكان كتابنا قد تقدم في أمر المجاهدين وما يحتاجونه من الإعانة بما يحمل إليهم من الأموال بالمملكة اليمنية‏:‏ ليصرف ذلك في حقه ويصل إلى مستحقه ويكون قد أعد منها للإنفاق في سبيـل اللـه جانـب بحيـث لا يضـاع ووصـل إلـى مجاهدي الأمة نصيب من مال الله الذي هو في يد من ولاه شيئاً من أمور عبداه على حكم الإيداع ويدخل ذلك في زمرة الذين يكنزون الذهب والفضة لا ينفقونها فحصلت المكابرة في الجواب عن ذلك وأي عذر في المكابرة عن مثل هذا الأمر وشغل الوقت بذكره ونحن عندنا في كل وقت من البشائر بمواهب الفتح وغرائب المنح ومتجددات الظفر والنصر ومتحليات التأييد التي قسمت أعداء الله بين الحصد والحصر ما يهب نشره هبوب الريح في البر والبحار ويود الدهر لو رقمه بذهب الأصيل على صفحات النهار وكل ذلك في أشد أعداء الله تعالى‏:‏ من التتار الذين عرف عددهم وجلدهم والفرنج الذيـن طـال وكثـر فـي عـوادة الإسلام أبدهم وممدهم والأرمنن الذين هم أكثر الطائفتين في الظاهر وفاقا وأشد الفئتين في الباطن نفراً ونفاقاً وهم لهؤلاء وهؤلاء مادة تمير وتمير وتغريهم وتغرهم فتصيـر بهـم مـن نار الحرب المضرسة لسيوفنا إلى جهنم وبئس المصير واي شيء من ذلك يذكر عند مواقف جيوشنا المنصورة وظفر عساكرنا المؤيـدة لـو كـان حصـل عنـده الفكـر الصائـب ما وردت مكاتبته إلا وهي مقترنة بمـا يرضـي اللـه ورسولـه وأهـل الإسلـام‏:‏ مـن إمـداد الغـزاة بالأمـوال وإعانتهـم علـى الكلـف التـي كلمـا أعـد لهـا مـال ‏"‏ بـدت ‏"‏ حـال يلائمهـا الإنفاق في سبيل الله ويسألونك عن الجبال وها هي قادمة إلينا يقدمها النصر ويتقدمها منن أسرى العدا وغنائمهم مـا يربـي عـن الحصـر ومـا بينهـا وبين ركوب ثبج هذا البحر لملك تمهده وعدل تجدده وبغاة تكف غربها ورعايا تؤمن بالمهابة سربها وتصفي من أكدار الفتن شربها وأموال تصونها وخزائن ينزه عـن غيـر الأنفـاق في سبيل الله مضمونها إلا بمقدار ما تستقر بها المنازل استقرار السنة بالجفون لا النوم وتأخذ أهبة لذلك المهم في يوم أو بعض يوم‏.‏

اللهم إلا أن تلبى دعوى الجهاد من تلك الجهة بألسنة النفير وتعبى صفوف الجلاد في الجواري التـي تكاد بأجنحة القلوع تطير أو تنوب عنها خزائن الأموال التي تنفق في سبيل الله تعالى أو تقـوم مقامهـا النفقـات التـي تصـرف إلـى جنـود اللـه التـي تنفـر فـي سبيـل اللـه تعالـى خفافـاً وثقـالاً ليكون قـد استـدر ببركـة ذلـك الطـل أخلـاف الوابـل وأنفـق ما اختزنه في سبيل اله الذي مثل ما ينفق فيه كمثل حبة أنبتت سبع سنابل وتستعد الجيوش المنصورة إلى طود يصون برأيه ملكه ويصول ويستطيل على الوجود ولو أن البر سيوف والبحر نصول والله تعالى يرشده إلى ما هو أقرب للتقوى ويمسكه من طاعته بالسبيل الأقوم والسبب الأقوى إن شاء الله تعالى‏.‏

  الأسلوب الثاني أن تفتتـح المكاتبـة بلفـظ‏:‏ ‏"‏ أعـز اللـه تعالى جناب المقام العالي ‏"‏

آخر الألقاب ثم الدعاء مثل‏:‏ ولا زال يحسن ولاية حسبه وينهض بجناح نسبه ويصون ملكه بعدله أكثر من قضبه ويثبت فـي اليمن اليمن في حالة إقامته ومنقلبه‏.‏

أصدرناها إلى مقامه موشجة المعاطف بحليه شاكرة علا عليه ذاكرة مـن محامـده مـا يتكثـر السحاب بوليه مبدية لعلمه الكريم كيت وكيت‏.‏

وهذه أدعية وصدور تناسب كل سلطان بها‏:‏ ولا زال به ‏"‏ تعز ‏"‏ وتفوز ببره زبيد ويخرج من عدن عدن فضله المديد وتمتلي بوفور البر والبحر‏:‏ هذا تطير به المراكب وهذه الركائب كلاهما مـن مكـان بعيـد ولا برحـت بـه آهلـة الأوطـان مشتقـة صفـات قطـره اليمنـي مـن ‏"‏ الأيمـان يمـان ‏"‏ محجوبـاً بالجلالـة أو محجوباً لما ينسب إليه من أحد الأركان‏.‏

أصدرناها والسلام يباري ما تنبت أرضه من نباتها الطيب ويجاري بالثناء ما ينهل في أكنافه الجنوبيـة منـن سحابهـا الصيب وتسري إليه بتحياتنا الشريفة على قادمة كل نسيم وفي طي كل عام له وقوف على ربعه وتسليم وتوضح لعلمه الكريم‏.‏

دعاء وصدر يختص بالمجاهد علي وهو‏:‏ ولا زال أفضل متوج في يمنه وأعلى علي إذا قيس بابن ذي يزنه وأشجع من حمى بعهوده ما لا تقدر السيوف على حمايته من وطنه ولا انفك الملك المجاهد عن عرضه المصون وسيف الدين الذي يقوم في المفروض من مراضي الله بالمسنون وأبا الحسن لما يحسن في فطنته الحسنى أو فطرته من الظنون والعلي قدراً إذا أخذت الملوك مراتبها وحدقت إليه العيون‏.‏

صدرت هذه المفاوضة إلى حضرته وسلامها يتفاوح لديها ويصافح غمائه في يديهـا وتجـري سفائـن إخلاصه حتى تقف عليها وتسري بتحياتنا محلقة بالبشرى في صباح كل يوم يقرب من الوصول إليها وتبدي لعلمه الكريم‏.‏

قلـت‏:‏ ولـم أقـف علـى صـورة مكاتبـة مفتتحة بلفظ ‏"‏ أعز الله تعالى جانب المقام ‏"‏ كتب بها إلى بعض ملوك اليمن في زمن من الأزمان فأوردها استشهاداً لهذا الأسلوب‏.‏

الأسلوب الثالث ‏"‏ أن تفتتح المكاتبة بلفظ‏:‏ ‏"‏ أعز الله تعالى نصرة المقام العالي ‏"‏ ‏"‏ وهذه نسخة كتاب كتب به إلى صاحب اليمن أيضـاً عـن السلطـان الملـك المنصـور قلـاوون مبشراً بفتوح صافيتا من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر رحمه الله وهو‏:‏ أعز الله تعالى نصرة المقـام العالـي المولـوي السلطانـي الملكـي المظفـري الشمسـي وأشركـه فـي كل بشرى تشد الرحال لاستماعها وتحل الحبى لاستطلاعها وتتهافت التواريخ والسير علـى استرفاعها وتتنافس الأقلام والسيوف على الأفهام بأجناسها وأنواعهـا ولا خـلا موقـف جهـاد مـن اسمه ولا مصرف أجر من قسمه ولا غرض هناء من سهمه ولا أفق ابتهاج من بزوغ شمسه وطلـوع نجمـه‏.‏

سطـر المملوك هذه البشرى والسيف والقلم يستمدان‏:‏ هذا من دم وهذا من نقس ويمضيان‏:‏ هذا في أرس وهذا في طرس ويتجاوبان‏:‏ هذا بالصليل وهذا بالصرير ويتناوبان‏:‏ هذا يستميل وهذا يستمير وكل منهما ينافس الآخر على المشافهة بخبر هذا الفتح الذي ما سمت إليه همم الملوك الأوائل ولا وسمت به سيرهم التي بدت أجيادها من حلاه عواطل ولا دار فـي خلـد مـن مثلـه يتهيـأ فـي المـدد الطويلـة ولا تشكـل فـي ذهـن أنـه سيـدرك بحول ولا حيلة وهو النصر المرتب على حركتنا التي طوى الله لركابنا فيها المراحل وألقى بدرر عساكرنا في بحر الحديد المالح إلى الساحل وهجومنا على البلاد الفرنجية‏:‏ وهي طرابلس وصافيتا وأنطرسوس ومرقيـة والمرقـب كمـا يهجـم الغيـث ومصادمتنـا صدورهـا كمـا يصـدم الليث وسلوكنا منها حيث لم يبق حيث وما جرى في هذه الوجهة منن إغارات أحسنت متقلب الأعنة ومتعلق السيوف ومخترق الأسنة وما تهيأ منها من فتوح صافيتا التي هي أم البلاد ومنتجع الحاضر والباد وكونها قدمت نفسها في جملة ما يقرى به الضيف وقالت‏:‏ هذا فتوح حضر على هذا الفتوح لهذا السيف وتلطفت في مسح أطراف الأمان وطلبت شكراً ومنا شكران وأحضرت إلينـا مـن أهلهـا الوقـت وهـدت السيـوف في أعناقهم فتشبهت بها الأغلال وأنفت أيمان أهل الإيمان من مصافتحتهم لأنهم أصحاب الشمال فأطلقهم سيفنا وأمله يمتد إلى من هو أعز منهم مالاً وأكثر احتفالاً وأبز مآلاً وأهز سيوفاً قصاراً ورماحاً طوالاً واستطار منها شرار نار الحرب الموقـدة إلى غيره من القلاع واستطال إلى سواها منن الحصون منهم الباع فلا حصن إلا وافترت ثنيته عن نصر مسهل وفتح معجل ومؤجل‏.‏

فمن ذلك حصن الأكراد الذي تاه بعطفه على الممالك والحصون وشمخ فأنفه عن أن تمتد إلى مثله يد الحرب الزبون وغدا جاذباً بضبع الشام وآخذاً بمخانق بلاد الإسلام وشللاً في يد البلاد وشجاً في صدر العباد تنقض من عشه صقور الأعداء الكاسرة وترتاع من سطوتها قلوب الجيوش الطائرة وتربض بأرباضه آساد تحمي تلك الآجام وتفوق من قسيه سهام تصمي مفوقـات السهـام تعطيـه الملـوك الجزيـة عـن يـد وهـم صاغرون ويصطفي كرام أموالهم وهم صابـرون لا مصابـرون كم شكت منه حماة تثني بنكرها قلة الإنصاف وكم خافته معرة وما من معرة خاف ما زالت أيدي الممالك تمتد إلى الله بالدعاء عليه تشكو من جور جواره تلك الحصون والصياصي وتبكي بمدمع نهرها من تأثير آثاره مع عصيانها وناهيك بمدمع العايـص حتى نبه الله ألحاظ سيوف الإسلام من جفونها ووفى النصرة ما وجب من ديونها وذاك بأنا قصدنا فسيح ربعه ونزلنا ونازلنا محمي صقعه وختمنا بنصالنا على قلبه وسمعه وله مدن حوله خمس هو كالراحة وهي كالأنامل وتكاد بروجه ترى كالمطايا المقطرة وهي منها بمنزلـة الزوامـل مـا خيمنـا بـه حتـى استبحنـا محمـى تلـك المدائـن المكنـي عنهـا بالأربـاض وأسحنـا بساحاتها بحراً من الحديد ما اندفع حتى فاض وأخذنا الثقوب في أسوار لا تنقض ولا ينقض بنيانها المرصوص ولا تقرأ المعاول ما لخواتـم أبراجهـا مـن نقـوش الفصـوص ونصبنـا عليهـا عـدة مجانيق حملت في شواهق الجبال على رؤوس الأبطال فتغيظت السمهرية أن الذي تقوم به هذه تلك به لا تقوم وأن ما منها إلا له من الأيدي والرؤوس مقام معلوم وصار يرمي بها كل كمي مختلس وأروع منتهس وكل ليث غاية يحميها وتحميـه‏.‏

فشكـراً لأسـود حتـى غاباتهـا تفتـرس إلى أن جثت أسوارها على الركب وكانت سهام مجانيقها تميل من العجب فصارت تميد من العجب وكانت تطلب فصارت تهرب من الطلب واشتد الأمر على الكفار فقاتلوا قتالاً أقض مضاجع الأسلحة وأطار حجارة مجانيقهم بغير أجنحة وأشجى بشجو النصول المترنمة على غصون السهام المترنحة هذا وأهل الإيمان يتلقون ذلك كله بصبر يستطعمون منه شهداً وإقدام يتلقـى صـدى الحديـد بأكبـاد ما زالت إلى موارده قصداً يقتحمون نار الحرب التي كلما أوقدوها أطفأها الله وقال يا نار كوني برداً والبلاد الفرنجية قد غضت منها الأبصار وخشعت القلوب واعتقـد كـل منهـا فـي نفسه أنه بعد هذا الحصن المطلوب فهذه تود لو أكنتها البحار تحت جناح أمواجها وهذه لو أسبلت الرياح العواصف عليها ذيول عجاجها وهـذه لـو اجتثـت مـن فـوق الأرض مـا لهـا مـن قـرار وهـذه لـو خسـف بهـا الثـرى وعفـت منهـا الآثـار وذلـك لمـا بلغهـم وشاهدوه من ويل حل بأهل هذا الحصـن المنيـع ومـن فتـك أمحـل ربعـه المريـع وضيـق مجالـه الوسيـع وقـراع أضجـر الحديد من الحديد والأبطال لم تضجر ونضال أشهر كل جفن حتى جفون السيوف لأنا عودناها مثل جفوننا أن تسهر فكم شكت النقوب من مناكبهم زحاماً والشرفات من ترقبهم التزاماً والرقاب من سيوفهم اقتساماً وكم حمدت التجارب من رأيهم شيخاً وحمد الإقدام من ثبوتهم غلاماً قد دوخوا البلاد فلا موطن إلا لهم به معركة وأرملوا الحلائل فـلا مشـرك إلا وقد أرمل من شركة وأزعجوا الكفر فلا قلب إلا به منهم خوف ولا سمع إلا لهم به حركة وملأوا الأرض كثرة وكيف لا يكثر الله جمعاً للإسلام جعل الله فيه بركة‏.‏

وكتابنـا هـذا والمولـى بحمد الله أحق من هنئ بهذا الفتح الذي تثني على كتاب بشائره الحقائب وتجري إلى سماع أخباره الركائب وتتزاحم على المسير تحت البرد الواصلة بـه متـون الصبـا وظهور الجنائب وإذا ذكرت ملاحمه قـال كـل‏:‏ هـذا كتـب أم كتيبـة تلـوح وإذا شوهـدت حمـرة طرسـه قيـل‏:‏ وهـذا مـا صبغتـه في اليد المعلمة عليه دم الكفر المسفوح وينعم - أعز الله نصره - بالإعلان بهذا النبأ الحسن الذي تستروح إليه الأسماع وتسر بالإفهام به أخوات هذا الحصن من مدنه ومن قلاعه العظيمة الامتناع فإنه ما برح الأخ يفرح بأخيه وإذا كان الهناء عظيماً اشترك كل شيء فيه إن شاء الله تعالى‏.‏

وهـذه نسخـة كتـاب آخـر إلى صاحب اليمن من هذا الأسلوب‏:‏ كتب به الفاضل محيي الدين بن عبد الظاهر أيضاً عن الملك المنصور قلاوون جواب تعزية أرسلها غليه في ولده الملك الصالح في ورق أزرق وكانت العادة أن تكون في ورق أصفر‏.‏

ونصها بعد البسملة‏.‏

أعـز اللـه تعالى نصرة المقام إلى آخر الألقاب وأحسن بتسليته الصبر على كل فادح والأجر على كـل مصـاب قـرح القرائـح وجرح الجوانح وأوفد من تعازيه كل مسكن طاحت به من تلقاء صنعاء اليمن الطوائح وكتب له جزاء التصبر عن جار مـن دمـع طافـح علـى جـار لسويـداء القلـب صالح‏.‏

المملـوك يخدم خدمة لا يذور المواصلة بها حادث ولا يؤخرها عن وقتها أمر كارث ولا ينقضها عن تحسينها وترتيبها بواعث الاختلاف ولا اختلاف البواعث ويطلع العلم الكريم على ورود مثـال كريـم لـولا زرقـة طرسـه وزرقة لبسه لقال‏:‏ ‏"‏ وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ‏"‏‏.‏

تتضمـن مـا كـان حـدث مـن رز تلافـى اللـه بتناسيـه وتوافـى بعـود الصبـر فتولـى التسليـم تليين تقاسيه وتمريـن قاسيـه فشكرنـا اللـه تعالـى علـى ما أعطى وحمدناه على ما أخذ وما قلنا‏:‏ هذا جزع قد انتبه إلا وقلنا هذا تثبت قد انتبذ ولا توهمنا أن فلذة كبد قد اختفطت إلا وشاهدنا حولنا منن ذريتنا والحمد لله فلذ وأحسنا الاحتساب ودخلت الملائكة علينا من كل باب ووفانا الله عـز وجـل أجـر الصابريـن بغيـر حسـاب ولنـا - والشكـر للـه - صبر جميل لا نأسف معه على فائت ولا نأسـى على مفقود وإذا علم الله سبحانه حسن الاستنابة إلى قضائه والاستكانة إلى عطائه عـوض كل يوم ما يقول المبشر به‏:‏ هذا مولى مولود‏.‏

وليست الإبل بأغلظ أكباداً ممن له قلب لا يبالي بالصدمات كثرت أو قلت ولا بالتباريح حقرت أو جلـت ولا بالأزمـات إن هـي توالـت أو تولت ولا بالجفون إن ألفت بما فيها من الدموع والهجوع وتخلت ويخاف من الدهر من لا حلب أشطره ويأسف على الفائت من لا بت بنبأ الخطوب الخطرة على أن الفادح بموت الولد الملك الصالح - رضي الله عنه - وإن كان منكيـاً والنافـح بشجـوه وإن كـان مبكيـاً والنائـح بذلـك الأسف وإن كان لنار الأسف مذكياً فإن وراء ذلك من تثبيت الله عز وجل ما ينسفه نسفاً ومـن إلهامـه الصبـر مـا يجـدد لتمزيـق القلـوب أحسـن مـا به ترفى‏.‏

وبكتاب الله تعالى وبسنة رسوله صلـى اللـه عليـه وسلـم عندنـا حسـن اقتـداء يضـرب عـن كـل رثـاء صفحاً وما كنا مع ذلك - والمنة لله - نصغي لمن يؤنب ويؤبن أذناً ولا نعيرها لمن يلحا إذ الولد الذاهب في رضوان الله تعالى سالكاً طريقاً لا عوج بها ولا أمتا وانتقل ساراً باراً صالحاً صالحاً وما هكذا كل الموتى نعياً ونعتـا ولئـن كـان نفعنـا في الدنيا فها نحن بالصدقات والترحم عليه ننفعه وإذا كان الولد عمل أبيه وقـد رفـع اللـه تعالـى روح ولدنـا إلـى أعلى عليين تحقق أنه العمل الصالح يرفعه وفيما نحن بصدده من اشتغال بالحروب ما يهون ما يهول من الكروب وفيما نحن عاكفون عليـه مـن مكافحـات الأعداء ما بين المرء وقلبه يحول بل عن تخيل أسف في الخاطر يجول‏:‏ إذا اعتاد الفتـى خـوض المنايـا فأهون ما تمر به الوحول‏!‏ فلنا بحمد الله تعالى ذرية درية وعقود والشكر لله كلها درية‏.‏

إذا سيد منهم خلا قـام سيـد قـؤول لمـا قال الكرام فعول‏!‏ ما منهم إلا من نظر سعده ومـن سعـده ينتظـر ومـن يحسـن أن يكـون المبتـدأ وأن يسـد حالـه بكفالته وكفايتـه مسـد الخبـر ‏)‏والشمـس طالعـة إن غيـب القمـر‏(‏ لا سيمـا مـن الـذي يـراد هـو صلاحه أعرف ومن إذا قيل بناء ملك هذا عليه قد وهى قيل هذا خير منه من أعلى بناء سعـد أشـرف‏.‏

وعلـى كـل حال لا عدم إحسان العمل الذي يتنوع في بره ويعاجل قضاء الحقوق فيساعـف مرسومـه فـي توصيلـه طاعـة بحـره وبـره ولـه الشكـر علـى مساهمة المولى في الفرح والترح ومشاركته في الهناء إذا سنح وفي الدمع إذا سفح وما مقل مكارم المولى من يعزب ذلك عن علمها ولا يعزى إلى غير حكمها وحلمها وهو - أعزه الله - ذو التجارب التي مخضت له من هذه وهذه الزبدة وعرضت عليه منها الهضبة الوهدة‏.‏

والرغبة إلى الله تعالى أن يجعل تلك المصيبة للرزايا خاتمة كما لم يجعلها للظهور قاصمة وأن يجعلها بعد حمل هذا الهـم وفصالـه على عليه فاطمة وأن يحبب إلينا كل ما يلهي عن الأموال والأولاد من غزو وجهاد وأن يخولنا فليس يحد لدينا على مفقود تأدباً مع الله عز وجل غير السيوف فإنها تعرف بالحداد وأن لا تقصـف رماحنـا إلا فـي فـود أو فـؤاد ولا تحـول سـروج خيلنـا إلا مـن ظهـر جـواد في السرايا إلى ظهر جواد وأن لا تشق لدينا إلا أكباد الناد ولا تجز غير شعور ملوك التتار تتوج بها رؤوس الرماح وصعـد بهـا علـى قمـم الصعـاد واللـه تعالـى يشكـر للمولـى سعـي مراثيـه التـي لـولا لطـف الله بما صبرنا به لأقامت الجنائز واستخفت النحائز ولأهوت بالنفوس في استعمال الجائز من الأسف وغير الجائز ولا شغل الله لب المولى بفادحه ولا خاطره بسانحة من الحزن أو بارحه ولا أسمعه لغير المسرات من هواتف الإبهاج صادحه إن شاء الله تعالى‏.‏

الأسلوب الرابع ‏"‏ أن تفتتـح المكاتبـة بلفـظ ‏"‏ أعـز اللـه تعالـى أنصـار المقـام الشريـف العالـي ‏"‏ وعليهـا كان الأمر في أول وهـذه نسخـة كتـاب مـن ذلـك كتـب بهـا عـن الملـك المظفـر قطز - وصاحب اليمن يومئذ المنصور - بالبشارة بهزيمة التتار‏.‏

وأظنها من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر وهي‏:‏ أعـز الله تعالى أنصار المقر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المنصوري وأعلى مناره وضاعف اقتداره تعلمه أنه لما كان النصف من شهر رجب الفرد فتح الله تعالى بنصر المسلمين على أعداء الدين‏:‏ مـن كـل مـن لـولا تسعـر بأسه لاخضر جوداً في يديـه الأسمـر فصدرت هذه التهنئة إليه راوية للصدق عن اليوم المحجل الأغر‏:‏ يوم غدا بالنقع فيه يهتدي من ضل فيه بأنجم المران ففي أذن الدهر من وقعه صمم وفي عرنين البدر من نقعه شمم ترفعه رواة الأسل عن الأسنة ويسنده مجر العوالي عن مجر الأعنة أما النصر الذي شهد الضرب بصحته والطعن بنصيحته فهو أن التتر خذلهم الله تعالى استطالوا على الأيام وخاضوا بلاد الشام واستنجدوا بقبائلهم على الإسلام‏:‏ سعى الطمع المرادي بهم لحتوفهم ومن يمسكن ذيل المطامع يعطب فاعتاضـوا عن الصحة بالمرض وعن الجوهر بالعرض وقد أرخت الغفلة رمامهم وقاد الشيطان خطامهم وعاد يكدهم في نحورهم‏:‏ ‏"‏ ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً ‏"‏‏.‏

راموا الأمور فمذ لاحت عواقبها بضد ما أملوا في الورد والصدر ظلوا حيارى وكأس الموت دائرة عليهم شرعاً في الورد والصدر‏!‏ وأضعف الرعب أيديهم فطعنهم بالسمهريـة مثـل الوخـز بالإبـر‏!‏ لا جرم أنهم لسن الندم قارعون وعلى مقابلة إحساننا بالإساءة نادمون‏.‏

تدعروا بـدروع البغـي سابغـة والمرء يحصد من دنياه ما زرعا‏!‏ فأقلعـت بهـم طرائـق الضلـال وسارت مراكب أمانيهم في بحار الآمال فتلك آمال خائبة ومراكـب للظنـون عاطبـة وأقلعـوا فـي البحـر بمراكبـه والبـر بمواكبـه وساروا وللشيطان فيهم وساوس تغرهم أمنية الظنون الحوادس فم وسوس الشيطان كفراً إلا وأحرقه الإيمان بكوكب‏.‏

هذا وعساكر المسلمين مستوطنة في مواطنا جاذية عقبانهـا فـي وكـور ظباها رابضة آسادها في غيل أقناها وما تزلزل لمؤمن قدم إلا وقدم إيمانه راسخة ولا ثبتت لأحد حجة إلا وكانت الجمعة لها ناسخة ولا عقد ‏"‏ ت ‏"‏ برجمة ناقوس إلى وحلها الأذان ولا نطق كتاب إلا وأخرسه القرآن ولم تزل أخبار المسلمين تنتقل إلى الكفار وأخبار الكفار تنتقل إلـى المسلمين إلى أن خلط الصباح فضته بذهب الأصيل وصار اليوم كأمس ونسخت آية الليل بسورة الشمس واكتحلت الأعين بمرود السبات وخاف كل من المسلمين إصدار البيات‏.‏

ينام بإحدى مقلتيه ويتقي بأخرى الأعادي فهو يقظان نائم‏!‏ إلى أن تراءت العين بالعين واضطرم نار الحرب بين الفريقين فلم تر إلا ضرباً يجعل البرق نضواً ويترك في بطن كل من المشركين شلواً حتى صارت المفاوز دلاصاً ومراتع الظبا للظبا عراصا واقتنصت آساد المسلميـن المشركيـن اقتناصـاً ورأى المجرمـون النـار فظنـوا أنهـم مواقعوهـا ولـم يجـدوا عنهـا مناصـاً فـلا روضـة إلا درع ولا جـدول إلا حسام ولا غمامة إلا نقع ولا وبل إلا سهـام ولا مدام إلا دماء ولا نغم إلا صهيل ولا معربد إلا قاتل ولا سكران إلا قتيل حتى صار كافور الدين شقيقاً وتلون الحصباء من الدماء عقيقاً وضرب النقع في السمـاء طريقـاً وازدحمت الجنائب في الفضاء فجعلته مضيقاً وقتل من المشركين كل جبار عنيد ذلك بما قدمت أيديهم ‏"‏ وما ربك بظلام للعبيد ‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وهذه النسخة تلفقتها من أفواه بعض الناس ذكر أنه وجدها في بعض المجاميع فحفظها منه وهي في غاية من البلاغة إلا أنها لا تخلو من تغيير وقع في بعض أماكنها ولعله من الناقل لها من حيث أنه ليس من أهل هذه الصناعة‏.‏

ولم يسعني ترك إيرادها لما فيها من المحاسن ولانفرادها بأسلوب من الأساليب التي بها إلى ملوك اليمن فأوردتها على ما هي عليه وجزى الله خيراً من ظفر لها بنسخة صحيحة فقابلها عليها وصححها وأصلح ما فيها‏.‏

الأسلوب الخامس ‏"‏ وهو ما جرى عليه في ‏"‏ التثقيف ‏"‏ أن تفتتح المكاتبة بلفظ أعز الله تعالى أنصار المقام العالي ‏"‏‏.‏

صدره على ما ذكره في ‏"‏ التثقيف ‏"‏ أعز الله تعالى أنصار المقام العالي السلطانـي الملكـي الفلاني الفلاني مثل أن يقال‏:‏ الأفضل السيفي ثم الدعاء ثـم يقـال‏:‏ أصدرناهـا وتبـدي لعلمـه الكريم كـذا وكـذا‏.‏

قـال فـي ‏"‏ التثقيـف ‏"‏ والمكاتبـة إليـه فـي قطـع النصـف والطلـب منـه ‏"‏ والقصـد مـن المقام العالي ‏"‏ وخاتمـة الكتـاب بالدعـاء والعلامـة ‏"‏ أخـوه ‏"‏ وتعريفـه ‏"‏ صاحـب اليمـن ‏"‏‏.‏

وفـي دستـور المقر الشهابي بن فضل الله أن خطابه يكون بالمقام العالي‏.‏

وهـذه نسخـة كتـاب إليـه ذكـر المقـر الشهابـي بن فضل الله في تذكرته أنه أنشأها جواباً عن هديته ولم يكتب بها إليه وهو يومئذ الملك المجاهد سيف الدين علي بن داود‏.‏

أعز الله تعالى أنصار المقام العالـي ولا زالـت مكارمـه تخـص مـن كـل نـوع بأحسنـه وتتحـف بأزيده وأزينه وتجلب كل غريب الديار من وطنه وتمنح من السوابق بما تمتد المجرة يف رسنه ومـن المحاسـن بمـا يملـي علـى ‏"‏ علـي ‏"‏ أوصاف حسنه ويعرب عن الفرس والسيف والرمح بأطيب صدرت إلى المقام العالي أعز الله جانبه تصل بوداده وتصف حباً علق بفؤاده وتعرض ببرحاء يمنيـة أحلـام الكرى طمعاً أن يرى طيفه في رقاده‏.‏

وتبدي أن كتابه الكريم ورد جالباً لدر مننه جالباً لليمن من يمنه نافحاً بالطيب من عدنه ناقداً من قوة السيوف بما لا يدعيه ابن ذي يزنه فتؤمل ما حوى من كرم لا يجارى ونعم تملأ البر براً والبحار بحارا وأبدع في الهبة التي قدر مهديها وقدر فيها من التحف ما لا يوجد إلا فيها وجاء بكل ما يستعين به المرابط وتهتز به الخزائن والمرابط وتفتخر من الرماح بكل معتدل قاسط وبما يردي العدا من أسنته بكل نجم هابط‏.‏

كم لها من فعل جميل لا يشارك وكم قال طعين‏:‏ إن لها كعباً مدوراً وما قدر الطاعن أن يقول إلا أنها كعب مبارك‏.‏

ومن السيوف بما لا يطبع النهر في نصله ولا يطمع البـرق فـي مناضلة مثله ولا يطمح الهلال أن يستقيم على شكله كم أخمدت أنفاساً ولها التهاب ولمعـت مـن نواحي الغمود كما نصلت أنمل من خضاب‏.‏

ومن الخيل بما ترقص في أعنتها وتفتخر على البدور بأنها تدوس على أهلتها‏:‏ من كل أشهب يحسن ابتداراً ويحسب قمراً قد تكمل إبداراً ويطلع في كل ناحية نهاراً جهاراً‏.‏

وأدهم قد غصب الظلام واستدارت غرته فأسفر وجهه تحت برقع من لثام‏.‏

وأحوى أخضر الجلدة من بيت للعرب قد حوى من الروض ما سلب‏.‏

وكميت ينضو النقع وهو سبوق وتقدم في ميادينه فجاء مضمخاً بالخلوق‏.‏

وأشقر قد كشف البـرق عـذاره وأطـار الركـض منـه شـراره ومعهـا كـل فيـل كأنـه غمـام تبدى أو ملك مفدى بخرطـوم يرتـد كالصولجـان ويمتـد كالأفعـوان ويهـول منظـره كأنـه مـن تمـام الخلـق بنيـان ويتحرك فتحسبـه كـم راقصـة تشير به إلى الندمان تقشعر منها الجلود وتقتل نفسها بنيران الحقد محافظة على عهود الهنود كم أحسنت بخراطيمها لها من صدورها الضيقة مخرجاً وأضاءت فروجها بين أنيابها طرة صبح تحت أذيال الدجى وزرافة لها إنافـة كأنهـا شفـق بينـه نجـوم أو بـروق تكللت بقطر الغيوم لها في المدخل على القلوب حذاقة وولوج من باب ودخول من طاقة‏.‏

وحمارة وحشية جاءت بوصف الربيع في اعتدل الليل والنهار وجمعت الهالات والأقمار ودلت علـى أصـل كريـم تفتحـت فـي فروعـه الأزهـار وحكـت بخطوطهـا الـدوح مما تراك ظله فأظلم وانفرج فأنار‏.‏

ونمر يؤلف على نفاره ويسبح ليله في أنهار نهاره يتدفق في مثل أنبوب القناة المضطمر ويصدق من شبه ركود الربا على الرمال بقطعة من جلدة النمر‏.‏

وقط الزباد الذي لا تحكيه الأسـود فـي صورهـا ولا تسمـح غزلـان المسـك بمـا يخزنـه مـن عرفـه الطيـب فـي سررها كم تنقل في بيوت وطابت موطنا ومشى من دار أصحابه فقالوا‏:‏ ربنا عمل لنا قطنا وكذلك من الطيب ما يطيب وما يزور بنفحه الحبيب قد بعث أكبره وأفاد أكثره واستخدم المتنعمون به صندله وكافوره وعنبره‏.‏

وغير هذه الأنواع مما جاد بإرساله وأتى من كل بديع به وبأمثاله فقوبلت بالقبـول هـذه التحـف وأكرمـت إكـرام مـن لهـا عـرف و ‏"‏ بها ‏"‏ اعترف وحمد سحابه الذي تسرعت مواطره وبعثت من طرفها بالروض وما تنوء عنه أزاهره وشرعت بما اتصلـت بمصـر أوائلـه واليمن أواخره والله تعالى يشكر هممه التي تعالت وشيمه العلويـة التـي لأجلهـا المحامـد قـد توالـت‏.‏

وقـد جهزنـا له من التحف النمعم بها ما أمكن تعجيل حمله وجرت عوائد ملوك الأقاليم بالتشريف من خزائننا العالية بمثله وحملنا رسله من السلام ما تعبق به الفجاج وتعـذب بـه البحـار وهـي ملـح أجاج‏.‏

والمراد منه أن يواصل بمكاتباته التي تتناوب الصدور وتنوب عن لمحة البـدور وتـؤوب بمـا تقـدم بـه مـن السـرور واللـه تعالـى يديـم لسطانه التأييد ولملكه التأبيد ولاقتداره ما به تعز تعز وتميد زبيد‏.‏

إن شاء الله تعالى‏.‏

فائـدة - المكاتبـة إلـى صحـاب اليمـن عـن ولـي العهـد بالسلطنـة كالمكاتبـة إليـه عن السلطان نفسه في جميع المكاتبة على السواء‏.‏

وعلـى ذلـك كتب القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر عن ‏"‏ الأشرف خليل ابن قلاوون ‏"‏ قرين كتاب أبيه المنصور قلاوون إلى صاحب اليمن بالبشرى بفتح طرابلس‏.‏

وهذه نسخته‏:‏ أعـز اللـه تعالى نصرة المقام‏!‏ وأوفد عليه كل بشرى أحسن من أختها وكل تهنئة لا يجليها إلا هو لوقتها وكل مبهجة يعجز البنان والبيان عن ثبتها ونعتها وتتبلج فتود الدرر والدراري لو رقت هذه إلى ترقيها وسمت هذه إلى سمتها‏.‏

وصبحه منها بكل هاتفة أسمع من هواتف الحمائم وبكـل عارفـة أسـرع مـن عـوارف الزهر عند عزائم النسائم وبكل عاطفة أعنة الإتحاف بالإيجاف الذي شكرت الصفاح منـه أعظـم قـادر والصحائـف أكـرم قـادم والغـزو الـذي لا يخـص تهامـة ببشراه بل جميع النجود والتهائم وثوي الصوارم والصرائم وأولي القوى والقوائم وكل ثغر عـن ابتهاج الإسلام باسم وكل بر بر بتوصيل ما ترتب عليه من ملاحم وكل بحر عذب يمون كل غاز لا يحبس عن جهاد الكفار في عقر الدار الشكائم وكل بحر ملح كم تغيظ من محاورة أخيه لأهل الشرك ومشاركتهم فيه فراح وموجه المتلاطم‏.‏

المملوك يخدم خدمة يقتفي فيها أثر والده ويجري في تجميلها على أجمل عوائده ويستفتح فيها استفتاحاً تحف به من هنا ومن هنا تحف محامده ويصف ولاء قد جعله الله أجمل عقوده وأكمل عقائده ويشفعها بإخلاص قد جعله ميله أحسن وسائله وقلبه أزين وسائده ويطلع علمه علـى أن مـن سجايـا المتعرضيـن إلـى الإعلـان بشكـر اللـه تعالى في كل ما يعرض للمسلمين من نصر ويفتـرض لهـم مـن أجر غزو كم قعد عنه ملك فيما مضى من عصر أن يقدروا هذه النعمة حق قدرهـا مـن التحـدث بنعمتهـا والتنبيـه بسمـاع نغمتهـا وإرسـال أعنـة الأقلـام بهـا في ميادين ولما كانت غزوات مولانا السلطان ملك البسيطة الوالد خلد الله سلطانه قد أصبحت ذكرت للبشر ومواقفه للنصر كم جاءت هي والقدر على قدر وقد صارت سيرها وسيرها هذه شدو في الأسمار وهذه جادة تستطيب منها حسن الحدو السفار فكم قاتلت من يليها من الكفار وكم جعلت من يواليها وهو منصورها منصوراً بالمهاجرين والأنصار‏.‏

ولمـا أذل اللـه ببأسهـا طوائف التتار في أقاصي بلاد العجم وجعل حظ قلوبهم الوجع من الخوف ونصيب وجوههم الوجهم وأخلى الله من نسورهم الأوكار ومن أسودهم الأجم وقصرت بهم هممهم حتى صاروا يخافون الصبح إذا هجم والظن إذا رجم وصارت رؤية الدماء تفزعهم فلو احتاج أحدهم لتنقيص دم لمرض لأجنح من خوفه وما احتجم‏.‏

وأباد الله الأرمن فحل بالنبيل منهم الويل وما شمر أحد من الجنود الإسلامية عن ساعد إلا وشمر هو من الذل الذيل ولا أثـارت الجيـاد مـن الخيـل عثيـراً منعقـداً إلـى وظنـوه مساء قد أقبل أو ليل وانتهت نوبة القتل بهم والإسار إلى التكفور ليفون ملك الأرمن الذي كان يحمي سرحهم ويمرد صرحهم ويستنطق هتف التتار ويسترجع صدحهم وتعتز طرابلس الشام بأنه خال ابرنسها الكافر ولسان شورته السفر ووجه تدبيره السافر‏.‏

وطالما غر وأغرى وأجر وأجرى وضر وأضرى فلما توكل مولانا اسلطـان وعـزم فتوكـل وتحقـق أن البـلاء بـه قـد نـزل وما تشكك أن ذلك في ذهن القدر قد تصور وتشكل وأن يومه في الفتك سيكون أعظم من أمنيته وأعظم منهما معاداة غده وأن نصر الله ين يخلفه صادق وعده أكل يده ندامة على ما فرط في جنب الله وساق الحتف لنفسه بيده فعمـر اللـه بروحـه الخبيثـة الـدرك الأسفـل مـن النـار وسقـاه الحتـف كأسـاً بعد كأس لم يكن لهما غير الملـك مـن خمـار‏.‏

وكانـت طرابلـس هـي ضالـة الإسلـام الشريـدة وإحـدى ابقاتـه من الأعوام العديدة وكلما مرت شمخت بأنفها وتأنقت في تحسين منازه منازهها وتزيين ريحانها وعصفها ومرت وهي لا تغازل ملكاً بطرفها وكلما تقادم عهدها تكثرت بالأفواج والأمواج من بين يديها ومن خلفها‏.‏

إذ البحر لها جلباب والسحاب لها خمار وليس لها من البر إلا بمقدار ساحـة البـاب مـن الـدار كأنهـا في سيف ذلك البحر جبل قد انحط أو ميل استواء قد خرج عن الخط وما قصد أحد شطها بنكاية إلا شط واشتط‏.‏

قـدر اللـه تعالـى أن صـرف مولانـا السلطـان إليهـا العنـان وسبق جيشه إليها كل خبر و ‏"‏ ليس الخبر كالعيان ‏"‏ وجاءها بنفسه النفيسة والسعادة قد حرسته عيونها وتلك المخاوف كلها أمان وقد اتخذ من إقدامه عليها خير حبائل ومن مفاجأته لها أمد عنان وفي خدمته جنود لا تستبعد مفازه وكم راحت وغدت وفي نفسها للأعداء حزازه فامتطوا بخيولهم من جبال لبنان تيجاناً لها صاغتها الثلوج ومعارج لا مراف بها غيـر الريـاح الهـوج وانحطـت تلـك الجيـوش مـن تلـك الجنـادل انحطـاط الأجادل واندفعوا في تلك الأوعار اندفاع الأوعال ولم يحفل أحد منهم بسرب لاصق ولا جبل شاهق فقال‏:‏ أهذا منخفض أو عال وشرعوا في التحصيل لما يوهـي ذلـك التحصيـن وابتنـى كـل سـوراً أمـام أسوارهـا منن التدبير الحسن والرأي الرصين فما لبثوا إلا بمقدار ما قيل لهم دونكم والاختصاب ونقل المجانيق على الخيل وعلى الرقاب حتى جورها بأسرع مـن جر النفس وأجروها على الأرض سفائن وكم قالوا‏:‏ السفينة لا تجري على يبس وفي الحال نقلت إليها فرأوا من متوقلها من يمشي بها على رجلين ومنهم من يمشي على أربع ووجهت سهامها وجوهها إلى منافذها فما شوهدت منها عين إلا وكـان قدامهـا منهـا إصبـع وألقيـت العداوة بين الحجارة من المجانيق والحجارة من الأسوار فكم ثقبت ونقبت عن فلذة كبدهـا عن‏.‏

وأوقدت نيران المكايد ثم فكم حولها من صافن ومن صافر وكم رمتهم بشرر كالقصر فوقع الحافر كما يقال على الحافر وما برحت سوق أهل الإيمان في نفاق على أهل النفاق وأكابرهم تساق أرواحهم الخبيثة إلى الساق‏.‏

وكان أهل عكا قد أنجدوهم من البحر بكل بر ورموا الإسلام بكل شرر وبكل شر فصار السهم الذي يخرج بها لا يخرج إلا مقترناً بسهام وشرفات ذلك الثغر كالثنايا ولكنها لكثرة من بها لا تفتر عن ابتسام‏.‏

وما زالت جنود الإسلام كذلـك ومولانـا السلطـان لا تـرى جماعـة مقدمـة ولا متقدمـة إلا وهـو يـرى بيـن أولئـك‏.‏

واستمـر ذلـك مـن مستهـل ربيـع الـأول إلـى رابـع ربيع الآخر فزحف إليها في بكرة ذلك النهار وهو الثلاثاء زحفاً يقتحم كل هضبة ووهدة وكل صلبة وصلدة حتى أنجز الله وعده وفتحها المسلمون مجازاً وفي الحقيقة فتحها وحده وطلعت سناجق الإسلام الصفر على أسوارها ودخلت عليهم من أقطارها وجاست الكسابة إلى ديارها فاحتازها مولانا السلطـان لنفسـه ملكـاً وما كان يكون له في فتحها شريك وقد نفى عنها شركاً وكلما قيل هذه طرابلـس فتحـت قال النصر لمن قتل فيها من النجد الواصلة‏:‏ وأكثر عكا وأهل عكا وأعاد الله تعالـى بهـا قـوة الكفـر أنكاثـا فكـان أخذهـا مـن مائـة سنـة وثمانيـن سنـة فـي يـوم ثلاثـا واستـردت فـي يـوم الثلاثا‏.‏

ولمـا عمـت هـذه البشائـر وكـل بهـا مولانـا السلطـان إلـى مـن يستجلـي حسـان هـذه العرائس ويستحلي نفيس هذه النفائس‏.‏

سير مولانا السلطان إلى المولى كل بشرى تقعقع بها البريد لتتلى بأمر على كل من ألقى السمع وهو شهيد وكما عم السرور بذلك كل قريب قصد أن يعم الهناء كل بعيد‏.‏

وأصدر المملوك هذه الخدمة يتجرب بين يديه نجواها ويتوثب بعد هذه الفاتحة المباركة لكل سانحة يحسن لدى المولى مستقرها ومثواها لا برح المقام العالي يستبشره لكماة الإسلام بكل فضل وبكل نعمى ويفرح بسرح الكفر إذا انتهك وبسفح الملك إذا يحمى وبسمع الشرك إذا يصم وبقلبه إذا يصمى والله الموفق‏.‏

  الجملة الثانية في المكاتبات إلى عرب البحرين ومن انضاف إليهم

قد تقدم في الكلام على المسالك والممالك في المقالة الثانية أن بلاد البحرين لم تزل بيد العرب وأنهـا صـارت الـآن بيـد بنـي عقيـل - بضـم العيـن - مـن بنـي عامـر بـن صعصعـة مـن هـوازن مـن قيس عيلـان مـن العدنانية‏.‏

قال في ‏"‏ التعريف ‏"‏‏:‏ ومنهم قوم يصلون إلى باب السلطان وصول التجار يجلبون جياد الخيل وكرام المهاري واللؤلؤ وأمتعة من أمتعة العراق والهند ويرجعون بأنواع الحباء الإنعام والقماش والسكر وغير ذلك ويكتب لهم بالمسامحة فيردون ويصدرون‏.‏

قال‏:‏ وبلادهم بالد زرع وضرع وبر وبحر ولهم متاجر مربحة وواصلهم إلى الهند لا ينقطع وبلادهم ما بين العراق والحجاز ولهم قصور مبنية وآطـام عليـة وريـف غيـر متسـع إلـى مـا لهـم مـن النعـم والماشية والحاشية والغاشية إلا أن الكلمة قد صـارت بينهـم شتـى والجماعـة متفرقـة‏.‏

وقـد سبق الكلام على بلادهم مستوفى في المقالة الثانية في الكلام على المسالك والممالك‏.‏

قال في ‏"‏ التثقيف ‏"‏‏:‏ ورسم المكاتبة إلى كبرائهم ‏"‏ السامي ‏"‏ باليـاء‏.‏

والعلامـة الشريفـة ‏"‏ أخـوه ‏"‏ ثـم مـا واعلم أنه في ‏"‏ التثقيـف ‏"‏ قـد جمـع بيـن عـرب البحريـن وعـرب البصـرة ومـا والـى ذلـك وجعـل المكاتبـة إليهم على ثلاث مراتب‏.‏

المرتبة الأولى - من يكتب إليه ‏"‏ السامي ‏"‏ بالياء والعلامة الاسم وذكر أن بها يكاتب أميرهم وسماه حينئـذ ‏"‏ صدقـة بـن إبراهيـم بـن أبـي دلـف ‏"‏ وأن تعريـف فلـان بـن فلـان‏.‏

وذكـر فـي رتبتـه فـي المكاتبة يومئذ محمد بن مانع وأخوه حسين بن مانع وعلي بن منصور‏.‏

المرتبـة الثانيـة - مـن يكتـب إليـه ‏"‏ السامي ‏"‏ بغير ياء والعلامة الاسم‏.‏

وذكر منهم بدران بن مانع - رومي بن أبـي دلـف - زيـن بـن قاسـم - يوسـف بـن قاسـم سعيـد بـن معـدي - راشـد بـن مانـع - عيسى بن عرفه - ظالم من مجاشـع - إسماعيـل بـن اصـواري - كلبـي بـن ماجـد بـن بـدران - مانـع بـن علي - مانع بن بدران‏.‏

المرتبـة الثالثـة - مـن يكتـب إليـه ‏"‏ مجلـس الأمير ‏"‏ والعلامة الاسم‏.‏

وعد منهم جماعة وهم عظيم بن حسن بن مانـع - موسـى بـن أبـي الحسـن - سعـد بـن مغامـس - زيـد بـن مانـع - هلـال بـن يحيـى - معمر بن مانع - محمد بن خليفة‏.‏

قلـت‏:‏ وحاصل ما ذكره في ‏"‏ التعريف ‏"‏ و ‏"‏ التثقيف ‏"‏ أن جملة المكاتبة إليهم لا تجاوز المراتب الثلـاث المذكـورة والكاتب يستخبر أخبارهم في المقدار وينزل كل واحد منهم على قدر مرتبته المهيع الرابع في المكاتبة إلى صاحب الهند والسند وقد ذكر في ‏"‏ التعريـف ‏"‏ أن صاحبـه فـي زمانـه كـان اسمـه أبـا المجاهـد محمـد بـن طغلقشـاه‏.‏

ثـم قـال‏:‏ وهو أعظم ملوك الأرض شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً وبراً وبحراً وسهلاً وقفراً وأن سمته في بلـاده ‏"‏ الإسكندر الثاني ‏"‏ ثم قال‏:‏ وتالله إنه يستحق أن يسمى بذلك ويوسم به‏:‏ لاتساع بلاده وكثرة أعداده وغزر أمداده وشرف منابت أرضه ووفور معادنه ومـا تنبتـه أرضـه ويخرجـه بحره‏.‏

ويجبى إليه ويرد م التجار عليه‏.‏

وأهل بلاده أمم لا تحصى وطوائف لا تعد‏.‏

ثم حكى عن قوم ثقات منهم قاضي القضاة سراج الدين الهندي الحنفي وهو يومئذ مدرس البيدمرية بالقاهرة والتاج البزي والشيخ مبارك الأنبايتي‏:‏ أن عسكر هذا السلطان نحـو التسعمائـة ألـف فارس وعنده زهاء ألفي فيل يقاتـل عليهـا وخلـق مـن العبيـد تقاتـل رجالـة مـع سعـة الملـك والحـال وكثـرة الدخل والمال وشرف النفس والإباء مع الاتضاع للعلماء والصلحاء وكثرة الإنفاق وعميم الإطلاق ومعاملة اللـه تعالـى بالصدقـة وإخـراج الكفايـة للمرتزقـة بمرتبـات دائمـة وإدارات متصلة بعد أن حكى عن رسوليه دميرخوان وافتخار ما قال‏:‏ إنه لو سكنت النفوس إلـى براءتهمـا مـن التعصب ‏"‏ فيه ‏"‏ لحكى منه العجائب وحدث عنه بالغرائب ثم ذكر أنه أرسل مرة مالاً برسم الحرمين وبيت المقدس وهدية للسلطان تزيد على ألف ألف دينار فقطع عليها الطريق باليمن وقتل محضرها بأيدي مماليك صاحب اليمن لأمر بيت بليل ثم قتل قاتلوه وأخذ أهـل اليمـن المـال وأكلـوه وكتـب عـن السلطـان إلـى صاحب اليمن في هذا كتاب منه ‏"‏ وقد عددت عليه فعلته ‏"‏ وقيل فيه‏:‏ ‏"‏ وفعل ما لا يليق وأمسى وهو يعد من الملوك فأصبح يعد من قطاع الطريق ‏"‏‏.‏

وقد سبق في الكلام على المسالك والممالك من عظيم هذه المملكة وعظم قدر رجالها ما فيه كفاية عن الإعادة‏.‏

قال في ‏"‏ التثقيف ‏"‏‏:‏ ورسم المكاتبة إليه رسم المكاتبة إلى القانات الكبار المقدم ذكرهم في هيئـة الكتـاب ومـا يكتـب به والطغراة والخطبة‏.‏

وألقابه ‏"‏ المقام الأشرف العالي المولوي السلطاني الأعظمي الشاهشاهي العالمي المجاهدي المرابطي المثاغري المظفري المؤيـدي المنصوري إسكندر الزمان سلطان الأوان منبع الكرم والإحسان المعفي على ملوك آل ساسان وبقايا أفراسياب وخاقان ملك البسيطـة سلطـان الإسلـام غيـاث الأنـام أوحـد الملـوك والسلاطين ‏"‏ ويدعى له‏.‏

قال‏:‏ ولم يكتـب إليـه فـي ذلـك الوقـت لقـب ينسـب إلـى الخلافـة نحـو ‏"‏ خليـل أميـر المؤمنيـن ‏"‏ ومـا يجـري هـذا المجـرى إذ كـان قـد بلغنا أنه يربأ بنفسه إلى أن يدعي الخلافة ويرى له فضل الإنافة‏.‏

قلت‏:‏ مقتضى ما ذكره في ‏"‏ التعريف ‏"‏ حيث قال‏:‏ إن رسم المكاتبة إليه رسم المكاتبة إلى القانات الكبار في هيئة الكتاب وما يكتب به والطغراء والخطبة أن المكاتبة إليه تفتتح بخطبة مبتدأ ب ‏"‏ الحمد لله ‏"‏ كما تقدم في افتتـاح المكاتبـات إلـى القانـات‏.‏

والـذي ذكـره فـي ‏"‏ التثقيـف ‏"‏ أن المكاتبة إليه تكون في قطع البغدادي الكامل بالذهب والأسود كما جرت العادة به يعني في كتب القانات إلا أنه جعل رسم المكاتبة إليه‏:‏ ‏"‏ أعز الله تعالى أنصار المقام العالي السلطاني العالمي العادلي الملكي الفلاني ‏"‏‏.‏

ثم قال‏:‏ وهذه الألقاب سطران كاملان وبينهما بيت العلامة على العادة وبعد السطرين المذكورين في الجانب الأيمن من غير بياض ‏"‏ أبو المجاهد محمد ابن السلطـان طغلقشـاه زيـدت عظمتـه ‏"‏‏.‏

ولا يذكـر لقبـه‏.‏

والدعـاء والعلامـة ‏"‏ أخـوه ‏"‏‏.‏

وتعريفـه ‏"‏ صاحب الهند ‏"‏‏.‏

وقد رأيت تصويره في بعض الدساتير على هذه الصورة‏:‏ أعز الله تعالى أنصار المقام العالي بيت العلامة السلطاني العالمي العادلي الملكي الفلاني قـال فـي ‏"‏ التعريـف ‏"‏‏:‏ والعنـوان جميعه بالذهب وهو سطران وتعريفه ‏"‏ صاحب الهند ‏"‏‏.‏

وبقية الكتاب بالسواد والذهب أسوة القانات وبه يشعر كلام ‏"‏ التعريف ‏"‏ فيما تقدم‏.‏

ولا زال سلطانه للأعداء مبيراً وزمانه بما يقضي به من خلود ملكه خبيراً وشأنه وإن عظـم يتدفق بحراً ويرسي ثبيرا ومكانه - وإن جل أن يجلببـه مسكـي الليـل - يمـلأ الأرجـاء أرجـاً والوجود عبيراً وإمكانه يستكين له الإسكندر خاضعاً وإن جاز نعيماً جماً وملكـاً كبيـراً ولا برحت الملوك بولائه تتشرف وبآلائه تتعرف وبما تطبع مهابته من البيض ببيض الهند في المهج تتصـرف‏.‏

المملـوك يخدم بدعاء يحلق إلى أفقه ‏"‏ ويحل العلياء والمجرة في طرقه ‏"‏ ويعدي منه ما يعتدل به التاج فوق مفرقه ويعتد له النجم ولا يثنيه إلا وسادة تحت مرفقه ويسمو إلى مقام جلاله ولا يسأم من دعاء الخير ولا يمل له إذا ملت النجوم عن السيـر ولا يـزال يصـف ملكـه المحمدي بأكثر مما وصف به الملك السليماني وقد قال‏:‏ وأوتينا من كل شيء وعلمنا منطق الطير‏.‏

قلت‏:‏ وهذا الدعاء المعطوف مما يؤكد ابتداء المكاتبة بالدعاء خلافاً لما تقدم أنـه مقتضـى تصوير كلامه في ‏"‏ التعريف ‏"‏‏.‏

واعلم أن في هـذه المكاتبـة علـى مـا ذكـره فـي ‏"‏ التعريـف ‏"‏ شيئيـن قـد خالـف فيهمـا قاعـدة المكاتبـات عن الأبواب السلطانية‏.‏

أحدهمـا - إتيانـه في ‏"‏ التعريف ‏"‏ في ألقابه بالمولوي‏.‏

والثاني - قوله في الصدر المتقدم الذكر ‏"‏ المملوك يخدم ‏"‏‏.‏

فقد ذكر صاحب ‏"‏ التعريف ‏"‏ في كتابه ‏"‏ عرف التعريف ‏"‏‏:‏ أن السلطـان لا يكتـب عنـه فـي العلامـة ‏"‏ المملـوك ‏"‏ وإنمـا خالـف القاعـدة في ذلك هنا تعظيماً لمقام المكتوب إليه وإعلاء لرتبتـه حيـث قال في أول كلامه‏:‏ إنه أعظم ملوك الأرض على ما تقدم ذكره فعبر عن مقامه بما يليق بـه وخاطبـه بمـا يليـق بخطابـه كمـا تقـدم أنـه كـان يكتـب إلـى أبـواب الخلافـة ‏"‏ المملـوك ‏"‏ أو ‏"‏ الخـادم ينتهـب ثـرى الأعتـاب ‏"‏ أو ‏"‏ يقبل الأرض ‏"‏ ونحو ذلك تعظيماً لمحل الخلافة لا سيما وقد تقدم أن صاحـب الهنـد حينئـذ كـان يدعـي الخلافـة إلا أن نظام هذا الملك قد اختل ونقص عما كان بموت السلطان محمد بن طغلقشاه حين توفي واستقر مكانه ابن خالته فيروزشاه‏.‏

ولعل المكاتبة التي ذكرهـا فـي ‏"‏ التثقيـف ‏"‏ إنمـا رتبـت علـى حكـم مـا كـان فـي أيامـه بعـد ذكـر المكاتبـة المذكورة بعد أن ذكر أن محمد بن طغلقشاه مات وقام فيروز شاه مقامه إلا أنه مثل المكاتبة المذكورة بمحمد بن طغلقشاه وفاقتضى أن يكون هو المعني بالمكاتبة‏.‏

ثم تفرقت المملكة بعد ذلـك فـي سلطانيـن فيمـا أخبرني به بعض أهل الهند ثم تزايد نقصها بعد أن غزا ‏"‏ ها ‏"‏ تمرلنك وغلب عليها ثم نزح عنها‏.‏

وبكل حال فلا ينبغي أن يقصر بصاحب الهند عن رتبة القانات‏.‏

ولم أقف على نص مكاتبة كتب بها إلى صاحب الهند فأذكرها‏.‏

المقصد الثاني من المصطلح المستقر عليه الحال من المكاتبات الصادرة عن ملوك الديار المصرية في المكاتبات إلى ملوك الغرب استقرار حال المكاتبات لملوك الغرب وفيه أربع جمل الجملة الأولى في المكاتبات إلى صاحب أفريقية وهو صاحب تونس وتنضم إليها بجاية وقسنطينة تارة وتنفر عنها أخرى وقـد تقـدم فـي المقالـة الثانية في الكلام على المسالك والممالك نقلاً عن ‏"‏ التعريف ‏"‏ أن حد هذه المملكة غربـاً مـن جزائـر بنـي مزغنـان إلـى عقبـة برقـة الفارقـة بيـن طرابلـس وبيـن برقـة وهـي نهايـة الحـد الشرقي ومن الشام البحر ومن الجنوب آخر بلاد الجريد والأرض السواخـة إلـى مـا يقـال إنـه موقع المدينة المسماة بمدينة النحاس‏.‏

ثم قال‏:‏ وهو أجل ملوك الغرب مطلقاً‏.‏

وقد تقدم هناك أيضاً ذكر حال مملكتها ومن ملكها جاهلية وإسلاماً وأنها كانت قبل الإسلام بيد البربر حين كان معهم جميع المغرب ثم انتزعها منهم الروم والفرنج إلى أن انتهت حال الفتح الإسلامي إلى جرجيس ملك الفرنج في جملة ممالك المغرب ودار ملكه يومئذ سبيطلة إلى أن فتحـت فـي خلافـة عثمان رضي الله عنه على يد عبد الله بن أبي سرح وتوالت عليها نواب الخلفاء وصـارت دار المملكـة بهـا القيـروان حتـى صـارت منهـم إلـى ‏"‏ بنـي الأغلـب ‏"‏ ثـم إلـى العبيدييـن بني عبيد الله المهدي ثم الموحدين أصحاب المهدي بن تومرت وهي بأيديهم إلى الآن وهي مستقـرة الـآن بيـد الحفصييـن منهم وهم يدعون النسب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيقولون‏:‏ أبو حفص عمر بن يحيى بن محمد بن وانود بن علي بن أحمد بن والال بن إدريـس بـن خالـد بـن اليسـع بـن إليـاس بن عمر بن وافتن بن محمد بن نجية بن كعب بن محمد بن سالـم بـن عبـد اللـه بـن عمـر بن الخطاب‏.‏

وباعتبار ذلك القائمون بها من بني أبي حفص يدعون الخلافـة ويدعـى القائـم منهـم فـي بلاده بأمير المؤمنين وربما كاتبه بها بعض ملوك المغرب‏.‏

قال في ‏"‏ التعريـف ‏"‏‏:‏ ومـن أهل النسب من ينكر ذلك ويجعلهم تارة بنسب إلى عدي بن كعب‏:‏ رهط عمر بـن الخطـاب دون بنـي عمـر‏.‏

ومنهـم مـن ينسبهـم إلـى هنتاتـة مـن قبائـل البربـر بالمغـرب وهـي قبيلـة عظيمة مشهورة‏.‏

وهـي الـآن ‏"‏ إلـى حـدود الثمانمائـة ‏"‏ بيد السلطان أبي فارس عزوز وقد دوخ البلاد وأظهر العدل ورفع منـار الإسلـام‏.‏

وقـد ذكـر فـي ‏"‏ التعريـف ‏"‏ أن السلطـان بهـا فـي زمانـه كـان المتوكـل علـى اللـه أبـو ورسم المكاتبة إليه فيما ذكره في ‏"‏ التعريـف ‏"‏ أن يكتـب بعـد البسملـة‏.‏

‏"‏ أمـا بعـد حمـد اللـه ‏"‏ بخطبـة مختصرة في مقتضى الحال ثم يقول فهـذه المفاوضـة أو النجـوى أو المذاكـرة أو المطارحـة أو مـا يجري مجرى ذلك تهدي من طيب السلام ‏"‏ ومن هذا ومثله ‏"‏ إلى الحضرة الشريفة العلية السنية السريـة العالميـة العادلية الكاملية الأوحدية حضرة الإمارة العدوية ومكان الإمامة القرشية وبقية السلالة الطاهرة الزكية حضرة أمير المسلمين وزعيم الموحدين والقائم في مصالح الدنيا والديـن السلطـان السيـد الكبيـر المجاهـد المؤيـد المرابـط المثاغـر المظفـر المنصور المتوكل على ربه والمجاهد في حبه والمناضل عن الإسلام بذبه فلان ويدعى له بما يناسب مختصراً ثـم يذكر ما يليق بكرم الحدود‏.‏

صدر آخر - من ‏"‏ التعريف أيضاً‏:‏ صدرت إليه تهدي إليه من طيب السلام ما ترق في جانبه الغربي أصائله ويروق فيما ينصب لديه من أنهار جداوله ويحمله لكـل غـاد ورائـح وتجـري بـه السفـن كالمـدن والركائـب الكلائـح وتخص ذلك المقر منه بثناء يعز لأن ينيب لبعده الدار ويستطلع ليل العراق به من فرق أفريقية النهار وتحامي مصر عن جارتها الممنعة وتفخر بجاريتهـا الشمـس التـي لا تـرى فـي أفقهـا إلا مبرقعة‏.‏

ولـم يذكـر فـي ‏"‏ التعريـف ‏"‏ قطع الورق ولا العنوان والخاتمة والعلامة وما في معنى ذلك‏.‏

والذي ذكره في ‏"‏ التثقيف ‏"‏ أن رسم المكاتبة إليه في قطع الثلث بقلم التوقيعات نظير ما كتب به لصاحب فاس وهو أن يكتب بعد البسملة بحيث يكون تحتها سواء في الجانب الأيمن من غير بيـاض مـا مثالـه ‏"‏ عبـد اللـه ووليـه ‏"‏ ثـم يخلـى مقـدار بيـت العلامـة ثـم تكتـب الألقاب الشريفة من أول السطر مسامتاً للبسملة‏.‏

وهي ‏"‏ السلطان الأعظم المالك الملـك الفلانـي السيـد الأجـل العالـم العادل المؤيد المجاهد المرابط المثاغر المظفر الشاهنشاه - وهذه تختصر غالبـاً - ناصـر الدنيـا والدين سلطان الإسلام والمسلمين محيي العدل في العالمين منصف المظلومين من الظالمين وارث الملك سلطان العرب والعجم والترك فاتح الأقطار مانح الممالك والأقاليم والأمصار إسكندر الزمـان مولـي الإحسـان جامـع كلمـة الإيمـان مملك أصحاب المنابر والتخوت والتيجان ملك البحرين مسلك سبيل القبلتين خادم الحرمين الشريفين ظل الله في أرضه القائم بسنته وفرضه سلطان البسيطة مؤمن الأرض المحيطة سيد الملـوك والسلاطيـن ولـي أميـر المؤمنيـن أبـو فلـان فلـان ابـن الملـك الفلانـي فلـان الدين والدنيا ‏"‏ ويرفع في نسبه إلى منتهاه ‏"‏ خلد الله سلطانه ونصر جيوشـه وأعوانـه‏.‏

ويجتهـد أن يكـون ‏"‏ وأعوانـه ‏"‏ آخـر السطـر أو قريبـاً مـن آخـره‏.‏

قـال‏:‏ والواجـب بدل ولي أمير المؤمنين قسيم أمير المؤمنين ثم يقول‏:‏ يخص الحضرة العالية السنية الشريفة الميمونة المنصورة المصونة حضرة الأمير العالم العادل العابد المؤيد الأوحد فلان ذخر الإسلام والمسلميـن عـدة الدنيـا والديـن ناصـر الغـزاة والمجاهديـن سيـف جماعـة الشاكريـن صلـاح الـدول والدعاء بإهداء السلام والشكر‏.‏

ثم بعد حمد الله بخطبة مختصـرة جـداً فإنـا نوضـح لعلمـه الكريم وتعريفه ‏"‏ صاحب تونس ‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وخطابه بالإخاء‏.‏

وهذه نسخة كتاب كتب بها عن الظاهر ‏"‏ برقوق ‏"‏ من إنشاء علاء الدين وهي‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏:‏ من عبد الله ووليه‏.‏

السلطـان الأعظـم المالـك الملك الظاهر الأجل العالم العادل المجاهد المرابط المثاغر المؤيد المظفـر سيـف الدنيـا والديـن سلطـان الإسلـام والمسلمين محيي العدل في العالمين منصف المظلومين من الظالمين قامع الخوارج والمتمردين وارث الملك ملك ملـوك العـرب والعجـم والتـرك مبيـد الطغـاة والبغـاة والكفـار مملـك الممالـك والأقاليـم والأمصـار إسكنـدر الزمان ناشر لواء العدل والإحسان مليك أصحاب المنابر والأسـرة والتخـوت والتيجـان مالـك البحريـن صاحـب سبـل القبلتين خادم الحرمين الشريفين ظل الله في أرضه القائم بسنته وفرضه سلطان البسيطة مؤمـن الـأرض المحيطـة سيـد الملـوك والسلاطيـن قسيـم أميـر المؤمنين ‏"‏ أبي سعيد برقوق ‏"‏ خلد الله سلطانه ونصر جنوده وأعوانه وأفاض على العبـاد والبلـاد جـوده وإحسانـه تحيـة تتـأرج نفحـاً وتتبلج صبحاً وتطوي بعفها نشر الخزامى وتعيـد ميـت الأشـواق حيـاً إذا مـا تخـص الحضـرة العليـة السنيـة السريـة المظفـرة الميمونـة المنصـورة المصونـة حضـرة الأمير العالم العادل المجاهد المؤيد الأوحد ذخر الإسلام والمسلمين عدة الدنيا والدين قدوة الموحدين ناصر الغزاة والمجاهدين سيف جماعة الشاكرين صلاح الدول المتوكل على الله أحمد ابن مولانا الأمير أبي عبـد الله محمد ابن مولانا أمير المؤمنين أبي بحيى أبي بكر ابن الأمراء الراشدين أعز الله دولته وأذل عداته وأنجز من صعود أوليائه وسعود آلائه صادق عداته‏.‏

بعد حمد الله جامع الشمل بعد تفريقه راتق خلل الملك عند تمزيقه والشهادة بأن لا إله إلا هو مبيد الباطل بحق سره وسر تحقيقه والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبده ورسوله موضح سبيل التوكل على الله وطريقه‏.‏

وإهداء سلام ما الزهر بأعبق من فتيقه وثنـاء مـا الـروض بأعطـر مـن خلوقـه فإننـا نوضـح لعلمـه الكريـم أن كتابـه الكريـم ورد ورود السنـة على الجفن الساهر أو المزنة على الـروض الزاهـر أو الزلـال علـى الـأوام أو البـرء علـى السقـام فمددنـا إليـه يـد القبـول وارتحنـا لـه ارتيـاح الشمائل إلى الشمول وملنا إلى مفاكهته ميل الغصون إلى الرياح وامتزجنا بمصافاته امتزاح الماء بالراح وفضضنا ختامه عن فضـي كلامـه وذهبنـا إلـى ذهبـي نثاره ونظامه وتأملناه تأملاً كل نظر عبده وخادمه ووقفنا عليه وقوف شحيح ضاع في التـرب خاتمـه ونظمنـا جواهر اعتباره فلا قلائد الأفكار وصبونا إلى اختباره كما صبت النفوس إلـى الادكـار وفتحنـا لـه جهـد الطاقـة باباً من المحبة لم يغلق ونقسم بمن خلق الإنسان من علق أنها بغير قلوبنا تعلق فإذا سطوره جنوده مصطفـة أو قيـان بهـا الحسـان محتفـة وإذا رقمـه طـراز حلة أو عقد شده البنان وحله وإذا لفظه قد رق وراق ومر بالأسماع فملأ بحلاوتـه الـأوراق وإذا معناه ألطف من النسيم الساري وأعذب مذاقاً من الماء الجاري وإذا سجعه يفوق سجع الحمائم ويزري بالروض الضاحك لبكاء الغمائم وإذا سلامه قد حيته الأزاهـر وطـوي بعرفـه نشر الروض الزاهر وإذا هنأوه قد ملك عنان التهاني واستمطر عنان الأمان من سماء الأماني فعبر لنا لفظ عبيره عن معنى المحبة وقرب شاسع الذكر وإن بعد المدى بين الأحبة وأقام شاهد الإخاء على دعوى الإخلاص فقلبناه ونادى مطيع المودة فاسجبنا له ولبيناه سقياً له من كتاب غذي بلبان الفصاحة وجرى جـواد التماحـه مـن مضمـار الملاحـة لا عيـب فيـه سـوى بلاغة فيه ولا نقص يعتريه سـوى كمـال باريـه لعمـري لقـد فـاق الأواخـر والأوائـل فمـا أجـدر كلامه بقول القائل‏:‏ راق لفظاً ورق معنى فأضحى كل سحر من البلاغـة عبـده‏!‏ لله دره من كتاب حلب در الأفراح وجدد من أثواب المسرة ما كان قد أخلقتـه يـد الأتـراح فهمنا معناه فهمنا وشرحنا متن فحـواه فانشرحنـا وعلمنـا مـا اتصـل بسماعحكـم مـن خبرنـا العجيب وحديث أمرنا القديم الغريب الذي أظهر فبنا لله أسراراً وكتب لنا منه عناية كبت بها أشراراً جل جلالخ خافض رافع معل بحكمته واضع سبحانه أوجد بعد العدم وأنسى ثم أنشأ قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشا كسر وجبر وقرن المبتدأ بالخبر وهب ما كان سلب وجعل لصبرنا حسن النمقلب أعادنا إلى الملك مع كثرة الأعداء وقلة الأنصار وأظهرنا بعد الخفاء فاعتبروا يا أولي الأبصار وأبرز أبريزنا بعد السبك خالصاً يروق الناظـر ويفـوق برونقه وجه الروض الناضر فاعلموا أن لله في ذلك سراً خفياً لم يزل ببركة رسوله صلى الله عليه وسلم بناً حفياً قمتم لنا فيه بواجب الهنا وأحاط بنا طولكم الطويل من هاهنا وهاهنا فاستجلينا من كتابكم عرائس بشراه وحمدنا عند صباح طرسه ليل مسراه وشكرنا له هذه الأيادي التي تقصر عنها الأيدي المتطاولة وثنينا إليكم عنان الثناء الذي فاق بمخايله الروض الأرض وخمائله‏.‏

ولما تمثل إلينا رسولكم المكرم وصاحبكم الكامل المعظم ذو الأصل الطاهـر والنسـب الباهـر والرأي السديد والبأس الشديد فلان‏:‏ لا زال علي مقامـه حسنـاً وجفـن علمـه لا يبعـث الجهـل عليـه وسنـاً فأبـدى إلينـا مـا فـي وطابه وأثلج الصدور بحكمة فضله وفصل خطابه وأخذ بجاذبنا عنكم أطراف الأحاديث الطيبة ويرسل علينا من سماء محبتكم مزنها الصيبة وأطربنا بسماع أخبارمـك ونصـر أعوانكم وأنصاركم ونبه على ما أودعه كتابكم وتضمنه منن النصرة خطابكم ودوس جنودكم جزيرة ‏"‏ غودش ‏"‏ وعودهم بالمن والمنح وتلاوتهم عند الانتصار ‏"‏ إذا جـاء نصـر اللـه والفتح ‏"‏ وقفولهم متفيئين من الجهاد بظله فرجين بما آتاهم الله من فضله بعد أن نعقت منهم على الكفار الغربان واقتنصت الرجال آجالهم اقتناص العقبان وجاءتهـم كالجبـال الرواسي وظفرت بهم أظافير الرماة ومخالب المراسي وغنت عليهم أوتـار القسـي فأرقصـت رؤوسهم على الضرب وسقتهم كؤوس الردى مترعة ونعم هذا الشرب لأولئك الشرب وأعادت المسلميـن بالغنائـم إلـى الأوطـان بعـد نيـل الأوطـار وبشـرت الخواطـر بمـا أقـر العيـون من النجاح والنجاة من الأخطار هذا والعدو الملقي السلم عند الجهاد جيء بهم مقرنين في الأصفاد يا لها غزاة أشرق نورها كالغزالة وأشرق يوم إسلامها على ليل الكفر فأزاله وتولد منها الجهاد فلا يرى بعدهـا إن شـاء اللـه عقيمـاً وتـلا لسـان الشـوق إليـه ‏"‏ يـا ليتنـي كنـت معهم فأفوز فوزاً عظيماً ‏"‏‏.‏

لا زالت رقاب الأعداء لأسيافكم قراباً وغزواتكم الصالحة تنيلكم من الله أجراً وثواباً‏.‏

ولما عرضت علينا من جودكم عند العشي الصافنات الجياد وحلينا منها بقلائد منها الأجياد نقسم لقد حيرتنا ألوانها إذ خيرتنا‏.‏

فمن أشهب - كأن الشهب له قنيصه أو الصبح ألبسه قميصه أو كأنما قلب من اللجين في قلب البياض وسقي سواد أحداقه أقداح الرباحة من غير حياض‏.‏

ومن أدهم - كأن النقس لمسه في مداده أو الطرف أمد طرفه بسواده أو كأنما تقمص إهاب الليل لما طلع عليه فج غرته فولى مشمر الذيل‏.‏

ومن أحمر - كأنما صيغ من الذهب أو كون من النار واللهب أو كأن الشفق ألقى عليه قميصه ثم أشفق أو الشقيق أجرى عليه دمعه وجيبه شقق‏.‏

ومن أشقر - كأنما ألبس ثوب الأصيل وبشـر السريـة يمـن طلعتـه بالنصـر والتحصيـل أو كـأن النضار كساه حلقة العشاق وقد ادرعوا بأسواق المحبة مطارف الأشواق‏.‏

ومـن أخضر - كأنما تلفع من الروض الأريض بأوراقه أو صبغ بالعذار المخضر وقد شقت عليه مرائـر عشاقـه أو كأنمـا الزمـرد تلوينـه أو مـن شـارب الشـادن تكوينـه كـل بطرف منها يسبق الطرف ويروق الناظر بالحسن الناضر والظرف تقام به حجة الإعراض وهو باعتراف ممتطيه قادرملـي وينصـب إلـى الـإدراك حسـن السيـر كجلمـود صخـر حطه السيل من علي - فأسرجنا لها جود القبول وامتطينا منها صهوة كل مأمول وأعددناها مراكب للمواكب ولليل المهمات الواقعة بدوراً وكواكب وأطلقنا أعنـة شكرهـا فـي مياديـن المحامـد وطفقنـا نرجـع ذكرهـا بيـن شاكـر وحامد‏.‏

مكاتبة وزير تونس رأيت في الدستور المنسوب للمقر العلائي بن فضل الله أنه كتب إلى أبي عبد الله بن بعلاص‏.‏

صـدرت هـذه المكاتبـة إلـى‏.‏

الشيخـي الكبيري العالمي الفاضلي الأوحدي الأكملي الأرشدي الأمجدي الأثيري البليغي الفلاني مجد الإسلام بهـاء الأنـام شـرف الفضلاء زين العلماء نجل الأكابر أوحد الأعيان بركة الدولة صفوة الملوك والسلاطين ‏"‏ ويدعـى لـه بما يناسبه ‏"‏‏.‏

وتوضح لعلمه المبارك كيت وكيت ولم يذكر قطع الورق ولا العلامة ولا التعريف‏.‏

والذي يظهر أن قطع الورق العادة والعلامة ‏"‏ أخوه ‏"‏‏.‏

والتعريف ‏"‏ وزير تونس ‏"‏‏.‏